قصيدة بعنوان (إلى روح ماما نعيمة المشايخ): بقلم: أ. عبد الإله بنهدار.
قصيدة بعنوان (إلى روح ماما نعيمة المشايخ): بقلم: أ. عبد الإله بنهدار/ المغرب/ كاتب مسرحيّ وسيناريست.
طوبى لكْ
أيها الحِمَامُ المِقدامْ
هَا قدْ فُزتَ بهَا
وتركتنا بعدها كسفين ٍيُقاومُ لُجاجَ البِحارْ
فمنْ ذا الذي بعدَها ستَغتالُهُ رماحُكَ
سيُوفكَ
قذائفكَ
غداً أو بعْدَ غدٍ أوِ الآنْ؟
…
طوبى لكْ
وقد تركتنا بعدها في غِمام هذا اليمِّ
نُقاومُ بلا بوصلةٍ
تَقاذفُنا الرّيحْ
ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمالْ
حيناً إلى خلف ٍ
وحيناً إلى أمامْ
وما رحمْتنَا
وما منحْتنا لحظةً فيها نستريحْ
…
طوبى لكْ
بعرُوسةٍ رفيعةِ المقامْ
بذاتِ الوجهِ الصَّبوحْ
بامرأة تنطقُ الحكمةَ بلا كلامْ
في زمنٍ يسود فيه حُكْمُ اللّئامْ
…
طوبى لكْ
وقدْ فُزتَ بِها
أَيا قاهرَ الأرواحْ
فهْي البعيدةُ القريبةُ
تتفيأُ الآن ظلالَ عروشِ الزّيتونِ والكرومْ
في بيتِ نتيفْ
في الخليلْ
في زكريا وفي صوريفْ
فسلامٌ لروحها
سلامٌ سلامٌ سَلامْ
في المشتى والخريفْ
في الرّبيعِ و اْلمصيفْ
…
طوبى لكِ
يا مَنْ طلعتُها البهيَّةُ تحْجُبُ ضوءَ الشّموسْ
عيناكِ البريئتان ترسمُ الفرحة
بألوانِ الطّيفْ
على وجهْ اليتامى العبوسْ
في حدْقتيْهما تتماهى الفصولْ
خريفٌ وربيعٌ
شتاءٌ وصيفْ
رموشُ عينيكْ
يا سيدتي
كأنّها عروشُ الملوكْ
عليها يستطيبُ الجلوسْ
…..
عيناكِ تغارُ منهما الأقمارُ
تَتطهَّر
تتعمَّدُ
في ماءِ مقلتيهِما
اليتامى والثّكالى والعرايا
وتركعُ مهابةً لهماَ الأقدارُ
ها أنتَ الآن وحيدٌ فريدٌ
لم يعدْ لكَ بعدها أيُّها القدرُ المغوارُ
شيْءٌ ثمينٌ عليه تَغارُ
…
طابتْ بها أمسِ الأنفاسُ
وطافتْ حول قبرها الآنَ
في عزِّ اليُتمِ والقهرِ
من كلِّ فج عميقِ
أقوامٌ وأجْناسُ
……
طوبى لكِ
أيا سيّتي
فمهما طال بنا العمرُ
ومهما طالَ بيننا المزارُ
حَتْماً
لا بدَّ أن يكونَ لنا معكِ يوماً موعدٌ وَلقاءُ
…
طوبى لكِ
طوبى لنا
فها نحنُ نزور قبركِ جمهرةًً وجهرةً
في غبشِ الصّبحِ والمساءْ
وفي غفلة من أهل الجورِ والجفاءْ
لأن قبرك يا سيّدة النّساء
حَقّاً يُطافُ ويُزارُ
…
طوبى لكِ
أيا نعيمةُ
فأنتِ والنّعيمُ توأمَانْ
أنتِ والمقدّسُ والطُّهرُ صِنوانْ
فحينما تنوحُ القدسُ
يَلوحُ وجهُك كمنارةٍ شامخةٍ للعِيانْ
…..
طوبى لكِ
يا منْ ملكتْ قلوبَ
العجائزِ والوِلدانْ
سنظلُّ نُحبّك ِ
سنظل نرتعُ في حماكْ
لأنّكِ واحةُ الحِمى
وجِنانُ الأمانْ
…
طوبى لكِ
فمهْما طغتِ الأقدارْ
ومهْما تجبَّرَ الزّمانْ
سنعيشُ، وسنصّْمدُ
في وجهِ التّجبُّر والطّغيان
سنقولُ في حرقةٍ ولوعةٍ
كما كنتِ تفعلينْ
في صمتٍ وحكمةٍ
عاش الإنسانُ للإنسانْ
فأنتِ القدّيسَةُ
تُدركين حِكمةَ الصّمتِ
حينَ يَهزِمُ الكلامُ الكلامْ
….
طوبى لكِ
سيّدتي
ماذا نحن قائلون بعدكِ؟
سنجهَرُ بما يَعجزُ عن قولهِ اللّسانْ
سنقولُ بملْءِ فينا:
طوبى لكِ
أيا نعيمةُ
طوبى لكِ
أيا شيخَةَ المَشايخِ
أيا يمامةً طافتْ في البرِّ والبحرِ
وجالتْ في سماءِ الأكوانْ.