العازفُ بالكلماتِ نشيجَ الأحلامِ والذكريات[ محمود رمضان وديوانُه” معزوفةٌ لاقدمِ ناى
العازفُ بالكلماتِ نشيجَ الأحلامِ والذكريات[ محمود رمضان وديوانُه” معزوفةٌ لاقدمِ ناى
بقلم حامد حبيب_ مصر
لسّه الامل بيبُصّلى
والحلم مجدافى الصّغير
والرّيح
…………………
ضَىّ الصدور شوَّاف
وأنا لسّه باجمع من بخار البحر
وصوت الموج
وضربِة المِجداف
حروف حكايتى وقصّتى
——————————
إنَّ أهمَّ سماتِ الخَلقِ الإبداعى أنّه مُستمَدٌّ من العقلِ
الباطِن ، ذلك العقل الذى يجودُ بسخاءٍ ، ويضعُ كلَّ مُدَّخراتِه تحت تصرُّف العقلِ الواعى، وهو مايترجمه
(أبو تمّام)فى قولِه:
ولكنّهُ فَيضُ العقولِ إذا انحلَّت
سحائبٌ منهُ ، أُتبِعَت بسحائِب
والعقلُ الواعى لايستطيع أن يُنفق هذه الثروةَ الطائلةَ جميعَها ، وانما يتخيّرُ منها ، ويُنفقُ من أرباحِها، ومانُسمّيه القوَّةَ المُبدِعة الخلاقة فى الأدب والفنَّ ، هو قدرة خارقة غير مألوفةٍ على الغوص فى أعماقِ العقل الباطِن ، واستخراج النفيسَ منه، والإفادة من ثروتِه والانتفاع بثمرات التجربةِ المُختزَنة.
ذاك الكامنُ فى قلوبنا وأنفسنا وضمائرِنا من تراكماتِ
الأسى والحرمان يترجمهُ الشاعر من خلالِ سيلٍ من
المشاعرِ التى تفيضُ أسىً ، فيلجأ تارةً للذكرياتِ وتارةً الأحلامِ ، من خلالِ صُورٍ حيَّةٍ ممزوجةً بالصوت واللّون والحركة ، فى صياغةٍ شعريّة سلسلة ، لاتكلُّف فيها ولاتعقيد ، تاركاً فيها قلمَه يصهلُ كما يشاء ، ويعدو فى فضاءاتِ البوحِ بحُريّة..
وتلك سماتُه الشَّعرية فى دواوينه بشكلٍ عام ، وفى
هذا الديوانِ بوجهٍ خاص.
كمُّ الأسى فى هذا الديوان ، كان له تأثيرٌ واضِح فى تركيبِ الصورة الشعرية وهيئتِها ، والحديثُ عن الذكرياتِ والأحلام والهمّ الذاتى كان وُلوجاً له طابعٌ خاص فى رسمِ صُوَرٍ تتواءمُ مع عالمَيهِما.
* ففى قصيدته ” بين الحياة والموت”:
أنا كنت ساعتها
بشوف
مشهد م الماضى
شُفتنى وسط صحابى
وأنا لسّه صغيّر
وماكُنتش بَحسِب
إنّ العُمر قصير
إنّ الفرح قصير
إنّ الحلم قصير
…………
وادى اللّى اترسّب
من مشاويرى وأحلامى
ف قَعر الايام
أُوضة
فى طُرقة طويلة
فى مستشفى
…………
وأنا وسط الناس النايمة
على سريرها
بين الحياة والموت
—————————
أيامٌ عصيبة مرّ بها فى مرضِه ، فمرّ به شريط الذكريات، وعاد للحقيقة ، تلك المعاناة على سرير المرض.
*فى قصيدته”وِشّ أُمى”يستكمل الصورة المأساوية:
وأنا قبل البِنج بثوانى
والفِكر ماسكنى
بيجيب ويودّى
ياترى
الدنيا اللّى قضيتها ف مآسى
ح ارجع واعيش جوّاها تانى
حسّيت بسنّ الإبرة
بيفوت
هيّات نفسى
لبداية رحلتى للموت
وسافرت فى الملكوت
………. وتعود الذكرياتُ تداهمه فى تلك اللحظات:
أبويا صابر ع الحياة
رجليه اللى شايلة
جسمُه التّقيل
عمّالة تجرى
عمّال يفحّر فى الحجَر
اللى راقد جوّه صدرُه
يمكن فى يوم
يتنفّس الحلم اللّى هارِب
فى البراح
………….
أُمّى كانت
رايحة جايّه
فى البيت الصغير
ملايين من المشاوير
رغم المكان ضّيّق
زى ساقية بتلِفّ على روحها
عمرها مابصّت لروحها
………….
عايشة تدّى
ماخادتش من دنيتها شئ
عاشت تعبّى ألبُوم حياتها
بحكايات
إخواتى
وبحكياتى
………….
اكتشفت حاجة غريبة فيها
مقبرة جماعية للاحلام
وأكوام من الاحزان
تشبه خِيَم الهنود الحُمر
ظلال ومدبوحة الحياة فيها
من كُتر ماطال النزيف
واربع فصول فى السنة
صبحُم خريف
____ انتقل فى القصيدة عبر شريط الذكريات إلى والدَيه، الأب ومعاناته فى الحياة، ثم الام كيف عانت
كثيراً وكيف ضحّت لأجلهم ، وكان المصير موت الأحلام.
استطاع أن يُجسّد بسلاسة حقيقة تلك المعاناة، وكأنه يريد أن يقول أننا نتوارثها عن آبائنا ، وهذا معناه أن أزمان المعاناة فى أوطاننا لاتنتهى.
كما استطاع أن يدهشنا بالصُّور المجازية العميقة…
الألفاظ _أيضاً _حملت إلينا الإيحاءات التى تخدم الصورة بعُمق ، كما فى تكرار لفظة”قصير”وكذا “قعر _مآسى _ ضيق _ ساقية _ مدبوحة _ نزيف_خريف”
كل هذه الألفاظ توحى بظلامية الحياة وعُمق المأساة.
إنَّ أدبَ الماساةِ غيرُ أدبِ الملهاةِ والكوميديا ، لأنّهُ أدبٌ يتوغّلُ فى أعماقِ الذات ، ويُسلّم (أرسطو) بأنَّ المأساةَ تُثيرُ العواطف، وتحرّك الشجون، وقد لاتخلو إثارة العواطف من الخطَر ، ولكنه رأى أنّها لاتكتفى بإثارة العواطف لِذاتها ، وانما لِتطهَّر نفوسنا، وتتخلّص من تأثيرها ، وتأمين سطوتها والمأساةُ كانت فى رأى(أرسطو) فيها شفاءٌ للنفسِ من الشعورِ
بالخَوف والرأفة، والارتياح، فالمأساةُ فى نظره تُشبهُ
العلاجَ الطبّى، فشاعرُ المأساة يُنقِّى النفوس، ويردّها إلى العاطفة السليمة،حتى الشاعر الانجليزي (مِلتُن)