loading

مصر بين الإرهاب والتحالف الدولي لمحاربته – بقلم / أ.د. محمد فكري الجزار


محمد فكرى الجزار

محمد فكرى الجزار

أسئلة كثيرة يثيرها موقف الإدارة المصرية من التحالف الأمريكي للقضاء على داعش ، فقد كان لدخول مصر إلى هذا التحالف مكاسب كثيرة ، أهمها أن تكف أمريكا وذيولها الإقليمية عن ترديد نغمة “انقلاب” و”النظام الانقلابي” عما حدث في مصر .

–         لماذا لا تدخل مصر ضمن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ، كما دخلت دول عربية أخرى لا تواجه ما تواجهه مصر من إرهاب ؟ ..

–         لماذا لا يحصل النظام الجديد على اعتراف أمريكا به من خلال انضمامه إلى تحالفها ؟

–         ألم يكن وجود مصر في هذا التحالف قادرا على تغيير موقف دول مثل تركيا وقطر العدائي من النظام الجديد بضغط من أمريكا ؟ ..

–         ألم تكن مشاركة مصر في هذا التحالف كفيلة بأن تجبر أمريكا تنظيم الإخوان الإرهابي على التوقف عن عملياته الإرهابية ؟ ..

–         هل تستهين مصر بقدرة أمريكا على الضغط على القوى الإقليمية فضلا عن الإخوان ؟

لعل هذه الأسئلة كانت في ذهن الإدارة الأمريكية وهي ترسل وزير خارجيتها إلى مصر للتباحث بشأن التحالف الأمريكي ضد داعش ، ولعل موقف مصر الذي لم يضع هذه الاعتبارات في حساباته وهو يرفض دخول التحالف هو الذي دفع “أوباما” ومن معه للقاء هذا الجنرال الغريب . نعم جنرال غريب ، فلم تعتد الإدارة الأمريكية منذ ثلاثين سنة ويزيد أن تمد يدها إلى مصر وترتد يدها إليها صفرا ، لقد كانت لا تمد يدا أصلا ، بل تأمر ، فتأتي الإدارة المصرية إليها طائعة . وتعودت أن حرص النظام على وجوده أغلى من حرصه على الأمن القومي للبلد التي يحكمها . وتعودت أن تمتلك 99% من أوراق السياسة المصرية تاركة البقية لتجارة الخطب التي يجيد النظام إلقاءها .. نعم تعودت الإدارة الأمريكية وتعودت إلا أن تكون لها إرادة وللنظام في مصر إرادة أخرى . وقد بلغت وقاحة الإدارة الأمريكية أنها تدرك جيدا أن تحت يد الإدارة المصرية كل تفاصيل المؤامرة الأمريكية على مصر ودولتها ، وليس على نظام حكمها ، منذ 2007 والمستمرة حتى اليوم ، ثم تظن أن هذه المؤامرة شيء لا يجب أن يكون عائقا دون طاعة مصر المطلقة لإرادتها . إن تاريخ تبعية مصر لأمريكا يمنعها من تكوين صورة ذهنية صحيحة عن مصر الجديدة . وتاريخ امتلاك أمريكا للقرار المصري يخدعها عن حقيقة أن هذا لم يكن لأنها تستحق امتلاكه بل لأن النظام المصري منذ توقيع كامب ديفيد قد منحها هذا القرار طواعية لا قهرا ولا خوفا ولا حتى طمعا . ويبدو أن السيد أوباما وإدارته لا تجد وقتا لمراجعة الستينيات ، وكيف كانت أمريكا تقدم القمح هدية لمصر لا قرضا ، ويبدو أن أحدا من المارينز لم يذكر للرئيس أوباما أن قواته اضطرت لشحن القمح إلى مصر بعد رفض عمال الميناء الأمريكي شحنه ، فتلقى السفير الأمريكي ورقة من جمال عبد الناصر يذكر أمريكا أن لها مصالح في موانئ عشرين دولة عربية . أو أن أحد من أهل المنطق المادي (وليس الصوري) في أمريكا لم يبلغه بالقانون الذي حكم سلوك السياسة المصرية تجاه أمريكا في تلك الفترة ، هذا القانون العام غير مؤقت بفترة وإنما معلق بإرادة النظام ، وهو أن مصر أكبر من أن يضغط عليها أحد ، وأنها أكثر أهمية للأخرين من أهمية الآخرين لها . إلا أن السيد أوباما لا يريد أن يقرأ التاريخ ، ولا أن يتعلم منه ، وبالتالي لم يفهم موقف مصر من التحالف الأمريكي ضد داعش ولن يفهمه مطلقا ، ما لم يضع مؤامرته المستمرة على مصر في المركز من قراءته للموقف المصري ، وإلى جوارها إرادة الشعب الذي التحم بجيشه ودولته وأفشل المؤامرة . مصر يا سيد أوباما ليست دولة من دول العالم الثالث ، ولا هي تعترف بتصنيفاتكم لدول العالم ، مصر دولة عظمى بشعبها وجيشها وعراقة دولتها وبتأثيرها في العالم وليس في المحيط الإقليمي لها . إن البدائل من أمريكا كثيرة ، ولكن لا بديل من مصر سواء لأمريكا أو للعالم كله . ونعم نحن فقراء ونعاني أزمات اقتصادية ، ولكننا في الستينيات لم نكن أثرياء ، وهذه عظمة مصر ، فكل الدول يحدد اقتصادها ثقلها الدولي إلا مصر . ومصر الفقيرة هذه لا تُخْضِع سياساتها الخارجية لوضعها الاقتصادي بل تنطلق من أهمية موقعها الذي يجعلها ضرورة سواء لإقليمها أو للعالم . وإذا كنا نواجه إرهابا كداعش وربما أخطر ، فإننا نمتلك جيشا قويا وقادرا على هزيمة الإرهاب دون أن يرهن المستقبل إلى نخططات التحالف الأمريكي . أما حلم الاعتراف بالنظام الجديد ، فهذا وهم في ذهن الإعلام الأمريكي فقط وبعض الأبواق الأخرى ، فنحن لا نبحث عن اعتراف بنا ولم يكن هذا الأمر ببال أحد سواء من الشعب أو الإدارة المصرية ، إن الاعتراف الوحيد بأي نظام في دولة ما لا يأتي من الخارج وإنما من الشعب ، ولولا أنهم ينكرون ضوء الشمس من رمد عيونهم لعرفوا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي امتلك هذا الاعتراف الشعبي من قبل أن يكون رئيسا . وأن شعبه وكله من قبل 30/6/2013 بإدارة البلاد . وأما موقف بعض الدول الإقليمية من النظام المصري الجديد ومن مصر عموما ، فلا أحد في مصر يبالي بتركيا ولا بقطر تماما كما يضحك من البلد الذي لا يعرف عنها إلا أنه يحب البن الوارد منها . ولو أن مصر تأبه لتركيا لتعوضت عنها بإيران ، ولكن السياسة المصرية أكثر وضوحا من هذه الألاعيب ومصر قوة وازنة في المنطقة بين إيران وتركيا شاء من شاء وأبى من أبى . أما هذه القطر فإننا لا نتمكن من رؤيتها على خارطة شبه الجزيرة العربية إلا بصعوبة بالغة ، وإن كنت أعرف صديقا يقسم لنا أنه تمكن مرة من رؤيتها بوضوح على الخريطة . وبخصوص الإخوان فلنا معهم من قبل معارك في 1951 قبل الثورة ، و1954 و1963 بعد الثورة ، فأنهينا وجودهما ودون مساعدة من أحد ودون خوف من أحد ، وكانت صلتهما ببريطانيا ثم أمريكا هي هي وكما هي الآن .. مرة أخرى أيها السيد أوباما وأيتها الإدارة الأمريكية ، إن التاريخ يقول لكم كل شيء عنا نحن الشعب والجيش والدولة ، ولكن غرور القوة يحجب عقولكم عن فهمه . أخيرا ، لتعلم هذه الإدارة الغبية في واشنطن ، أنها يمكن أن تخدع العالم كله عن خططها وأهدافها لإقامة هذا التحالف الذي تدعو مصر للدخول فيه ، ولكن هذه الخديعة تتوقف عند حدود العقل السياسي المصري تماما لسبب واحد ووحيد أن العقل السياسي المصري يعرف تفاصيل أمنه القومي جيدا ولا يفرط بأصغر تفصيل منها ، ولم يفعل ذلك حتى في فترات التبعية ، فكيف يفعلها بعد ثورتين وبعد هزيمة المؤامرة الأمريكية !!

 

 

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس