loading

مفهوم الحق في الحياة الخاصة للإفراد – بقلم / الدكتور عادل عامر


عادل عامر

الدكتور / عادل عامر

ان الحاسوب بشراهته التي لا تشبع في جمعه للمعلومات وما هو معروف عنه من دقة وعدم نسيان اي شيء يوضع فيه، قد تنقلب معه الحياة رأسا على عقب ،فيخضع الأفراد لنظام رقابي مشدد يتحول معه المجتمع إلى عالم شفاف ترقد فيه مكشوفة بيوت الناس ومعاملاتهم وحالتهم العقلية والجسمية لأي مشاهد”. هذا ما صرح به احد المختصين حول المخاطر المتولدة عن استخدام الانظمة المعلوماتية على الحياة الخاصة للافراد ،فالحق في الخصوصية يعتبر من أهم الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية وقد نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وذلك لما له من ارتباط وثيق بحرية الفرد، و الحاجة كانت ملحة لضمانات قانونية تحمي الحق في الحياة الخاصة للأفراد من المعلوماتية بأدواتها المتمثلة في جهاز الحاسوب والشبكة العالمية للمعلومات وما لهذه الأدوات من قدرة فائقة على جمع اكبر قدر من المعلومات والبيانات عن الأفراد واسترجاعها وتصنيفها وتحليلها ومعالجتها ومن ثم مبادلتها، إلا انه وبعد طول انتظار جاء قانون جرائم أنظمة المعلومات غامضا في بعض مواده خاصة تلك المتعلقة بحماية الخصوصية، واختزل في نصوصه صورا لجرائم عدة مما افقده الوضوح والتحديد ودقة الصياغة، واغفل صورا لجرائم الكترونية اخرى تتعلق بحماية الحق في الحياة الخاصة مما جعله قانونا يتسم بالقصور التشريعي.                                                                                                       

يعتقد البعض ان افشاء المعلومات والتنصت عليها والاعتداء على حرمة الاتصالات والمراسلات وسريتها يعد اهم صور الاعتداء على الحياة الخاصة وهذه الصور هي التي ركز عليها المشرع الاردني في قانون جرائم انظمة المعلومات، الا ان الاعتداء على الحق في الحياة الخاصة من خلال الانظمة المعلوماتية مفهوم أوسع واشمل ويأخذ ابعادا واشكالا مستحدثة ابرزها جمع البيانات عن الافراد وتخزينها على نحو غير مشروع ويستمد هذا الجمع او التخزين صفته غير المشروعة اما من الاساليب غير المسموح بها المستخدمة للحصول على هذه البيانات او المعلومات او من طبيعة مضمونها كالمعلومات المتعلقة بالمعتقدات الدينية والسياسية والانتماءات الحزبية والاصل العرقي للافراد والتي يجب ان تكون بمنأى عن الجمع والتخزين لاتصالها بالحياة الخاصة للافراد، وهو الامر الذي قننه الدستور البرتغالي حيث نص على انه”لا يجوز استخدام الحاسبات الالكترونية في معالجة البيانات المتعلقة بالاتجاهات السياسية او المعتقدات الدينية او الحياة الخاصة عدا البيانات التي تتعلق بالتعداد السكاني والبيانات غير الشخصية”.                                                                                                 

صورة اخرى من صور الاعتداء تتمثل في اساءة استعمال البيانات والمعلومات المتعلقة بالافراد؛ فالمعلومات التي يتم تجميعها وتخزينها لا بد وان يكون لها هدف واضح ومحدد سلفا ولا بد من التزام الجهة القائمة على النظام المعلوماتي بالهدف الذي من اجله قامت بتجميع ومعالجة المعلومات وهو الامر الذي نشاهد يوميا خروقات له من خلال تجاوز شركات الاتصالات للهدف الذي تم من اجله تجميع المعلومات ومعالجتها عن العملاء حيث يعاني الكثير من المواطنين من رسائل الدعاية القصيرة التي تصل الى الهواتف المتنقلة دون الحصول على اذن خطي مسبق من العميل يسمح فيه باستقبال هذه الرسائل ويظهر ذلك ايضا من خلال رسائل البريد الالكتروني الدعائية التي تصل الى الافراد دون علم منهم كيف ومتى تم الحصول على المعلومات المتعلقة بعنوان بريدهم الالكتروني. علاوة على ذلك فالهدف من جمع المعلومات عن الافراد يجب ان يكون مرتبطا بمهمة ووظيفة الجهة القائمة على التخزين ، وهذا الامر تنبهت له المحكمة الدستورية في المانيا حيث جاء في احد قراراتها ” انه لا حرية راي او حرية اجتماع ولا حرية مؤسسات يمكن ان تمارس كاملة ما دام الفرد غير متيقن في ظل اي ظروف ولاجل اي هدف جمعت عنه المعلومات الفردية وعولجت اليا في الحاسوب”. كما ان السماح بجمع البيانات او المعلومات عن الاشخاص مع عدم معرفة اوجه استخدامها في المستقبل يمثل احد الاخطار التي تهدد الحياة الخاصة للافراد ويظهر هذا الخطر جليا من خلال بنوك المعلومات التي تنشئها شركات التامين والاموال والبنوك وغيرها من المؤسسات التي تقوم بجمع معلومات تتعلق بحياة عملائها الشخصية او الصحية او عن حجم معاملاتهم ومنافسيهم وغير ذلك من معلومات قد يتم استغلالها بطريقة غير مشروعة في المستقبل وخاصة من خلال قيام بعض هذه المؤسسات ببيع هذه المعلومات لشركات او مؤسسات او جهات اخرى للتربح المادي. ويعتبر تخزين معلومات خاطئة غير مطابقة للواقع وغير صحيحة او دقيقة صورة اخرى من صور الاعتداء على الحياة الخاصة فهذه المعلومات قد تترك اثارا سيئة على سيرة الانسان وصورته ويلحق به ضررا واخطارا كبيرة خاصة على مستقبله الوظيفي والاجتماعي ان الحق في الحياة الخاصة للافراد يتطلب الى حانب الحماية القانونية ان يتمتع الفرد في التشريع الاردني بمجموعة من الحقوق المرتبطة ارتباطا وثيقا بجوهر الحق في الخصوصية ياتي في مقدمتها حقه بالاطلاع على المعلومات الخاصة به والوصول اليها وان يكون على علم بجميع البيانات المخزنة عنه، وحقه بالغاء المعلومات الخاطئة عنه او تصحيحها وتعديلها اذا دعت الحاجة الى ذلك، ومن اهم الحقوق التي يتوجب صيانتها وحمايتها والتي يعاني الفرد في مجتمعاتنا بسبب غيابه الكثير حماية حق الفرد بالنسيان فالمعلومات لا بد وان تتلف بعد مدة محددة وان لا تبقى شبحا يطارد الفرد اينما ذهب ، وهناك تجارب لدول وصلت الى مراحل متقدمة في هذا المجال فالدستور البرتغالي ينص على ان”لكل المواطنين الحق في معرفة المعلومات التي تتعلق بهم وما تتضمنه بنوك المعلومات من بيانات خاصة بهم والاستخدامات المعدة لها ويكون لهم طلب تصحيحها او تصويبها او الاضافة اليها كل فترة عندما يطرأ تغيير “. وهذا ايضا ما اكدت عليه اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية في معرض تعليقها على المادة 17 من العهد والمتعلقة بالحق في حرمة الحياة الخاصة للفرد حيث اشارت الى انه “يجب أن ينظم القانون عمليات جمع وحفظ المعلومات الشخصية باستخدام الحاسوب وغيرها من الوسائل، سواء أكانت تجريها السلطات العامة أم الأفراد العاديون أو الهيئات الخاصة. ويتعين أن تتخذ الدول تدابير فعالة لكفالة عدم وقوع المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للشخص في أيدي الأشخاص الذين لا يجيز لهم القانون الحصول عليها ، وعدم استخدامها على الإطلاق في أغراض تتنافى مع العهد. ولكي يتسنى حماية الحياة الخاصة للفرد على أكفأ وجه ينبغي أن يكون من حق كل فرد أن يتحقق بسهولة من ماهية البيانات المخزنة، والغرض من الاحتفاظ بها، كما ينبغي أن يكون بمقدور كل فرد أن يتحقق من هوية السلطات العامة أو الأفراد العاديين أو الهيئات الخاصة التي تتحكم في هذه البيانات، وإذا كانت هناك بيانات شخصية غير صحيحة أو بيانات جمعت أو جهزت بطريقة تتعارض مع أحكام القانون، ينبغي أن يكون من حق كل فرد أن يطلب تصحيحها أو حذفها”.                                                                        

لقد آن الاوان لنرتقي بتشريعاتنا الوطنية بما يكفل حماية مقتنيات الحياة الخاصة للفرد وبما يتوافق مع الالتزامات المفروضة على الاردن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نشر في الجريدة الرسمية عام 2006 واصبح جزءا من النظام القانوني الوطني ، وهذه دعوة ايضا للمحامين للاستناد الى احكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ي بتقديم طلب أو دفع أمام القضاء في القضايا التي تتعلق بالحق في حرمة الحياة الخاصة للافراد.  إن تدفق المعلومات وانسيابها عن طريق أجهزة الاتصال الحديثة وخاصةً الكومبيوتر والانترنيت له أثر إيجابي في مجال المعاملات القانونية المدنية والتجارية.

    ويقابل الأثر الإيجابي لوسائل الاتصال الحديثة أثر سلبي وعلى مختلف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية سواء على المستوى الداخلي للدول أم على المستوى الدولي.

     ولا يتوقف الأثر السلبي إلى هذا الحد، بل يمتد ليشمل حقوق الإنسان وحرياتهُ الأساسية، ومن أهم هذه الحقوق التي تعرضت للانتهاك الالكتروني في مجال تكنولوجيا المعلومات هو الحق في الخصوصية أو الحق في الحياة الخاصة.

   ولبحث هذا الموضوع سنقسمهُ إلى عدة محاور نتناول في المحور الأول تعريف الحق في الخصوصية أو الحق في الحياة الخاصة وأنواعها.

     بينما سنبحث في المحور الثاني صور الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد أو بعبارة أخرى – أثر تقنية المعلومات على الحق في الحياة الخاصة في الوقت الذي سنخصص المحور الثالث لبيان وسائل مواجهة الانتهاك الالكتروني لحقوقية الأفراد.

المحور الأول

تعريف الخصوصية وأنواعها

    من الصعب وضع تعريف جامع مانع للحق في الحياة الخاصة أو الحق في الخصوصية، لأن تعريف هذا الحق يرتبط بالتقاليد والثقافة والقيم الدينية السائدة والنظام السياسي في كل مجتمع. فضلاً عن ذلك… فإن أغلب التشريعات اتجهت إلى عدم إيراد تعريف للحق في الخصوصية، واكتفت بوضع نصوص تكفل حماية الحق وتعدد صور الاعتداء عليهِ.    ولكن يلاحظ بأن هذا الأمر لم يمنع من نشوء العديد من التعريفات من قبل الفقه القانوني القضائي ومن هذه التعريفات ما ذهب إليه قاضي المحكمة الأمريكية العليا، بأن الخصوصية هو أن يترك الشخص ليكون وحيداً. كما عرف الحق في الحقوقية من قبل فقهاء آخرين بأنه رغبة الأفراد في الاختيار الحر للآلية التي يعبرون فيها عن أنفسهم ورغباتهم وتصرفاتهم للآخرين.

 

     ومن خلال ما تقدم:- يمكن أن نعرف الحق في الخصوصية -بأنه حق الأفراد في الحماية من التدخل في شؤونهم وشؤون عائلاتهم بوسائل مادية مباشرة أو عن طريق نشر المعلومات عنهم.

هذا ما يتعلق بتعريف الحق في الخصوصية، أما أنواعها فهي:-

   أولاً:- الخصوصية الجسدية والتي تتعلق بالحماية الجسدية للأفراد ضد أية إجراءات ماسة بالنواحي المادية لأجسامهم كفحص الجينات.

   ثانياً:- حماية الاتصالات وتتمثل بحق الأفراد في سرية وخصوصية المراسلات الهاتفية والبريدية والبريد الالكتروني.

  ثالثاً:- الخصوصية المكانية والتي تتعلق بحرمة المسكن، أو وضع القواعد المنظمة للتفتيش والرقابة الالكترونية والتأكد من بطاقات الهوية سواء كان الفرد في محل العمل أو في الأماكن العامة.

  رابعاً:- خصوصية المعلومات والتي تتمثل بحق الأفراد بعدم اطلاع الغير على المعلومات الخاصة بهم والمثبتة في أجهزة الكمبيوتر والانترنيت.

المحور الثاني

صور الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد

    إن صور الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد كثيرة ومتنوعة تبعاً لتنوع صور الحق في الحياة الخاصة، ومن هذه الانتهاكات على سبيل المثال.

   أولاً:- نشر وإعلان مفردات الحق في الحياة الخاصة للفرد في وسائل الإعلام والاتصال المختلفة دون موافقتهُ الصريحة أو الضمنية وكذلك التلاعب في البيانات الشخصية أو محوها عن طريق أشخاص غير مرخص لهم بذلك.

   ثانياً:- انتهاك خصوصية الأفراد بوسائل التنصت والتسجيل الحديثة والمراقبة الالكترونية بالأقمار الصناعية والكاميرات الرقمية المحولة عن طريق الهواتف المحمولة.

   ثالثاً:- إن الكثير من المؤسسات والشركات الحكومية الخاصة تجمع عن الأفراد بيانات عديدة تتعلق بالوضع المادي والصحي والعائلي والعادات الاجتماعية، وتستخدم الحاسبات وشبكات الاتصال في خزنها ومعالجتها ونقلها، وهو ما يجعل فرص الوصول إلى هذه البيانات بسهولة كبيرة مما يشكل انتهاكاً لخصوصية الأفراد ورغبتهم بعدم معرفتها من قبل الغير.

المحور الثالث

وسائل مواجهة الاتصال الالكتروني لخصوصية الأفراد

     نظراً للمخاطر والأضرار التي تسببها وسائل الاتصال الالكترونية وخاصة الكمبيوتر والانترنيت على خصوصية الافراد، ومن أجل الحد من الأثر السلبي لهذه الوسائل، أقتضى الأمر إيجاد وسائل مناسبة لموجهة أو للحد من الانتهاك الالكتروني لخصوصية الأفراد، وهذه الوسائل تتمثل بالدور الذي تقوم به المنظمات الدولية والإقليمية لحماية الحق في الخصوصية، فضلاً عن الدور الذي تقوم به الدول لحماية الحق في الخصوصية.

ولذلك سنقسم هذا الموضوع إلى فرعين:-

    الفرع الأول: يتمثل بالجهود الدولية والإقليمية لحماية الخصوصية المعلوماتية فنلاحظ بأن العديد من المنظمات الدولية عملت على تنظيم وحماية المعلومات الخاصة وتنظيم تدفق المعلومات وانتقالها، ومن هذه المنظمات “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” والتي بدأت منذ عام 1978 بوضع أدلة وقواعد إرشادية بشأن حماية الخصوصية ونقل البيانات.

    وكذلك مجلس أوربا، الذي كان له دور كبير في عقد الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والحريات العامة لعام 1950، حيث أوجبت المادة “8” من هذه الاتفاقية على حماية الحياة الخاصة بالنص على حماية الأفراد من التدخل والاعتداء على حياتهم الخاصة وحياة اُسرهم. كما قررت المادة “10” من هذه الاتفاقية على وجوب حماية حق الوصول ونقل المعلومات.    بالإضافة إلى ذلك فقد كان للاتحاد الأوربي دور كبير في حماية الحق في الخصوصية، إذ صدر عن الاتحاد عدة تعليمات بهذا الشأن منها:- 

  التعليمات المتعلقة بحماية الأفراد من أنشطة خزن ونقل البيانات والتعليمات المتعلقة بحماية الأفراد من أثر التطور التقني لمعالجة البيانات والتوجيه الأوربي رقم 85 الصادر من البرلمان الأوربي في سنة 2002 والمتعلق بالمعالجة الآلية للبيانات وحماية الحياة الخاصة.

– هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تقوم به الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية بهذا الخصوص..

   الفرع الثاني:- الحماية الداخلية للحق في الخصوصية بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به المنظمات الدولية والإقليمية في حماية الحق في الخصوصية، يوجد هناك حماية داخلية تتمثل بالتشريعات التي تصدر من بعض الدول التي تبين فيها تعريف الخصوصية وبيان أنواعها ووسائل حمايتها، وسنبين في هذا الفرع موقف كل من القانون الأمريكي والفرنسي والعراقي بهذا الخصوص

* بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد سنت الكثير من القوانين لحماية الأفراد من اقتحام الخصوصية، ومن هذه القوانين قانون الخصوصية الفيدرالي الذي صدر سنة 1974 وقانون حرية المعلومات لعام 1970 وكذلك صدر قانون المقاضاة للكمبيوتر وحماية الخصوصية الصادرة سنة 1988.

    أما فرنسا فقد أصدرت قانون في 17يوليو 1970 الخاص بحماية الحياة الخاصة، إذ نصت المادة “22” من هذا القانون على إن لكل شخص الحق في احترام حياتهِ الخاصة، ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 17 لسنة 1978 والذي نظم حماية الحياة الخاصة للأفراد في مواجهة النظام الآلي للمعلومات.

* أما بالنسبة إلى موقف المشرع العراقي – فلم يعالج بشكل قانوني منظم موقع الخصوصية وحمايتها في مواجهة التطور الحاصل في أجهزة الاتصال الحديثة، واكتفى بالإشارة إليها في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 والذي أشار إلى ضرورة احترام حرمة المساكن وعدم الاعتداء على حرمة الجسم. لكن يلاحظ بأن القانون المدني العراقي وإن كانت لا توجد فيه نصوص مباشرة تشير إلى الخصوصية ووسائل حمايتها، ولكنه وقع في نطاق المسؤولية التقصيرية أحكاماً تتعلق بتعويض الشخص المعتدى عليه وضرورة احترام إنسانية وكرامة الفرد وعدم الاعتداء عليهِ، مع ذلك يحتاج المشرع العراقي لمواكبة التطورات الحاصلة في تقنيات المعلومات والاتصالات أن يشرع نصوص تفصيلية واضحة لحماية خصوصية الأفراد، وليكون على الأقل – في هذا الجانب – بالمستوى المطلوب والذي وصل إليه التشريع في بلدان أخرى.

يعتبر الحق في الحياة الخاصة من أهم حقوق الإنسان التي كرستها مختلف التشريعات الدولية والداخلية، و الذي من ابرز عناصره المسكن، باعتبار انه “لا قيمة للحياة الخاصة إن لم تشمل مسكن الشخص الذي يخلو فيه إلى نفسه بعيدا عن عيون و أسماع الآخرين مودعا فيه خصوصياته و أسراره و منفردا بذاته و بأسرته و المقربين إليه” .

ففي إطار القوانين الدولية، نص الفصل 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل شخص الحق في عدم التدخل في حياته الخاصة و عائلته و مسكنه و مراسلاته أو الاعتداء على شرفه و سمعته. و يتمتع كل فرد بالحماية القانونية ضد هذه الممارسات.

كما نصت أحكام الفصل 8 من الاتفاقية الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان أن لكل شخص حق التمتع بحماية حياته الخاصة و العائلية و مسكنه و مراسلاته. و لا تتدخل السلطة العامة في ممارسة هذه الحقوق إلا بقدر ما يجيزه القانون و في حدود ما يبرره الأمن العام و المصلحة الوطنية و متطلبات التنمية و الدفاع الوطني و التوقي من الجرائم و حماية الصحة و الأخلاق و الحقوق و الحريات.

وقد أكد هنري مازو أن “الشعور العميق بالتستر والحياء المتغلغل في أعماق كل كائن بشري يقتضي حماية سر الحياة الخاصة أي الشخصية والعائلية وبدون هذا السر ستنعدم الحرية، فسرّ الحياة الخاصة هو من مظاهر حرية وجودنا” . وما من شك أنه لا يمكن المحافظة على حرمة الحياة الخاصة إلا بحمايتها قانونا من كل اعتداء عليها .

ويعتبر المسكن الإطار المبدئي و الجوهري للحياة الخاصة باعتبار أنه المكان الذي ينعم فيه الشخص بالراحة والأمن والتستر بعيدا عن أعين الرقباء والفضوليين ، فمسكن الفرد هو ملاذه الآمن و مستودع أسراره و خصوصياته أين ينفرد بذاته و تطمئن نفسه و تسكن حين يكون محاطا بأهله و ذويه، بما يجعل في احترام حرمته احتراما لحياة الفرد الخاصة.

و امتدادا لفكرة قدسية المسكن، اعتبر العميد كاربونيي أن قلعة الفرد مسكنه . و هذه العبارة تبرز المغزى الأساسي الذي يتضمنه المسكن بما يمثله و يحققه للفرد من سكينة و طمأنينة و حرية في الآن ذاته. وتجد حرمة المسكن سندها الأول في كتاب الله الكريم، إذ ورد النص القرآني صريحا في نهيه عن دخول الفرد مسكن غيره حتى يستأذنه و يجد الترحاب و القبول جوابا لطلبه، و قد قال تعالى “يا أيها اللذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلك خير لكم لعلكم تذكّرون، فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإذا قيل لكم ارجعوا فأرجعوا هو أزكى لكم ، والله بما تعملون عليم” . بناءا على ذلك يستشف من لفظ ‘ تستأنسوا…’ “ضرورة اخذ الجانب النفسي في الاعتبار، حيث لا يكفي أن يتم الإذن تحت ضغط الحياء” حتى يعتبر القبول موجودا.

لكن في المقابل فإن حرمة المسكن ليست حقا مطلقا، باعتبار أن الفرد ولئن كان حرّا في ممارسة حقه لتحقيق مصلحته فإن هذه الممارسة تبقى مشروطة بعدم الإضرار بمصلحة المجموعة والتعسف في استعمال هذا الحق. وبناء عليه فقد أكدت بعض النصوص القانونية على جواز الدخول لمسكن الغير و لو دون رضاه إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.

وتماشيا مع هذا المبدأ فقد أقر الدستور التونسي في فصله التاسع أن حرمة المسكن وسرية المراسلة وحماية المعطيات الشخصية مضمونة إلا في الحالات الاستثنائية التي يضبطها القانون.

لكن و بالرغم من تكريس استثناءات تشريعية لمبدأ حرمة المسكن يبقى تخصيصه بحماية دستورية بمثابة تأكيد صريح لما لهذا الحق من أهمية تدعمت بما سنّه المشرع من قوانين سواء صلب أحكام القانون المدني أو القانون الجزائي.

ففي إطار القانون الجزائي و تكريسا لمبدأ حرمة المسكن، نص المشرع صلب الفصل 40 من المجلة الجزائية انه لا جريمة إذا كان القتل أو الجرح أو الضرب واقعا ليلا لدفع تسور أو خلع مسيجات أو ثقب جدران أو مدخل مسكن أو محلات تابعة له…

في هذا الفصل اعتبر المشرع رد الاعتداء على المسكن من قبيل الدفاع الشرعي تنعدم بمقتضاه صفة الجريمة عن الفعل. ذلك أن الحق في الرد الشرعي يجعل الشخص لا فقط هدفا للحماية الاجتماعية و لكن أيضا لماله .

و يمكن تعريف المسكن بأنه كل محل يستعمله الشخص كمنزل ينزل فيه بصفة دائمة أو مؤقتة ، بما يتجه معه القول انه يكفي أن يكون للفرد حق الإقامة سواء بصفة دائمة أو مؤقتة حتى يكتسب صفة الساكن بغض النظر إن كان هذا الساكن مالكا أو مكتريا… و هو ما يمثل المغزى الأساسي لحرمة المسكن التي تهدف إلى حماية الحياة الخاصة للفرد و ليس حماية حق الملكية باعتباره حقا دستوريا. و لا موجب لان يكون المسكن آهلا ليتمتع بالحماية و إنما يكفي أن يكون معدا للسكنى لتشمله تلك الحماية .

ولقد حددت المجلة الجزائية مفهوم المسكن صلب الفصل 267 باعتباره “كل بناء أو مركب أو خيمة أو مكان مسيج معد لسكنى الإنسان و يعتبر المحل مسكونا بالمعنى المقصود بالفصل 260 و لو لم يكن احد نازلا به عند وقوع الجريمة”.

كما انه في إطار توسيع مجال حماية حرمة المسكن، سۏۍ المشرع بين المحل المسكون و بعض الأماكن التابعة له و اعتبر صلب الفصل 268 أن “الصحون و محلات تربية الطيور و الإسطبلات و المباني الملاصقة لإحدى المحلات المبينة بالفصل المتقدم و لو كان لها سياج خصوصي في السياج العام للمحل أو بحرمه العام تعتبر من المحلات المسكونة”.

هذا التوسع في تعريف المسكن يعكس حرص المشرع على تبنّي موقف حمائي له و ذلك سواء صلب المجلة الجزائية أو مجلة الإجراءات الجزائية و يمكن اعتباره بكونه حماية تشريعية مباشرة و صريحة للمسكن تعززت باستقرار فقه القضاء على تبني قراءة موسعة لمفهوم المسكن معتبرا انه “يعد من قبيل المحل المسكون كل بناء أو مركب أو خيمة أو مكان مسيج معد للسكنى” ، و مؤكدا بان المسكن يشمل “كل الأماكن التي يعدها الإنسان ليأوي إليها كالمنازل و البيوت و الخيام” .

و لقد حرص الفقه و فقه القضاء على تأكيد هذا التوسيع و على انتهاج نفس المنحى و ذلك في محاولة منه لوضع مفاهيم متعددة للمسكن تنصهر فيها مختلف تطبيقاته و تكون مشمولة بالحماية من كل ما يمكنه أن يتسلط عليها من انتهاكات و تعديات .

و قد اعتبرت محكمة التعقيب في هذا السياق أن المراد بالمسكن هو “المكان المعد للسكنى بطبيعته أي للإقامة فيه ليلا و نهارا لمدة طويلة أو قصيرة و من تلك المنازل الفنادق إذ يقيم فيها الإنسان كما لو كان في منزله” . كما أكدت أن “دكان التجارة إذا اتخذه صاحبه مسكنا له زيادة على مباشرته لنشاطه التجاري فيه يعد محلا مسكونا” .

و يطرح موضوع المسكن في القانون الجزائي أهمية مزدوجة على المستويين النظري و التطبيقي لا سيما و قد راوح المشرع في اعتبار المسكن عنصر تشديد لبعض الجرائم من جهة و عنصرا ينعدم به التجريم من جهة أخرى. هذه المراوحة الاستثنائية تتعزز أهميتها بما يطرحه عنصر المسكن من إشكالات على مستوى القانون الجزائي سواء في فرعه العام أو الخاص أو الإجرائي.

فما مدى حماية المسكن في القانون الجزائي التونسي؟

جوابا على هذه الإشكالية يمكن أن نتناول بالدرس مظاهر حماية المسكن في القانون الجزائي صلب جزء أول و حدود هذه الحماية في جزء ثان.

الجزء الأول

مظاهر حماية المسكن في القانون الجزائي

لقد كرس القانون الجزائي التونسي عديد الآليات الحمائية للمسكن و ذلك من خلال قواعده الموضوعية (الباب الأول) وكذلك الإجرائية (الباب الثاني).

الباب الأول:

حماية المسكن من خلال القواعد الموضوعية للقانون الجزائي

لقد جرّم المشرع عديد الأفعال التي تشكل اعتداء على المسكن أو تمس من حرمته أو حرية استعماله. كما عاقب الموظف العمومي أو شبهه الذي يدخل مسكن إنسان بدون رضاه و ذلك بدون مراعاة الموجبات القانونية أو دون لزوم ثابت لذلك، صلب الباب الثالث من المجلة الجزائية المتعلق بالجرائم المرتكبة من الموظفين العموميين أو أشباههم حال مباشرة أو بمناسبة مباشرة وظائفهم وتحديدا في القسم الخامس منه، والمتعلق بتجاوز حد السلطة وعدم القيام بواجبات وظيفة عمومية. فالموظف العمومي الذي ينتهك حرمة المسكن يكون قد أفرط في استعمال السلطة المخولة له.

و قد اعتبر شراح القانون أن عبارة “بدون رضاه” الواردة بالفصل 102 من المجلة الجزائية المتعلق بهذه الجريمة، تقتضي أن يعترض شاغل المسكن على دخول الموظف و أن لا يعبأ هذا الأخير باعتراضه. و الاعتراض هنا لا يعني بالضرورة المقاومة المادية بل يكفي مجرد النهي الشفوي. و يعتبر الدخول كذلك واقعا بدون رضى متى دخل الموظف باستعمال الحيلة أو الإكراه المعنوي .

ولقد حدد المشرع العقوبة الخاصة بمرتكب هذه الجريمة بالسجن مدة عام وبخطية قدرها 72 دينارا.

كما نص الفصل 256 من المجلة الجزائية الوارد صلب القسم الأول المتعلق بهتك حرمة الملك و المسكن في إطار الباب الثاني حول الاعتداء على الملك أن “الإنسان الذي يدخل أو يستقر بمحل معد للسكنى وذلك بالرغم من إرادة صاحبه يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أشهر والمحاولة موجبة للعقاب”.

و المستخلص من خلال هذين الفصلين أن غياب الرضاء في جانب صاحب مسكن وقع دخوله يشكل ركنا يستقيم مع وجوده اعتبار الفعل من قبيل الاعتداء على حرمة المسكن و ذلك بقطع النظر عن طريقة الدخول أو المدة التي قضاها المعتدي داخل المحل المسكون.

و قد اعتبرت محكمة التعقيب في هذا السياق أن “جريمة الدخول لمحل الغير المنصوص عليها بالفصل 256 من المجلة الجزائية لا تستلزم معارضة صاحب المحل بل يكفي أن يقع الدخول إلى المحل بالرغم من إرادة صاحبه أي عدم رضائه مثلا” .

و يتجلى على هذا الأساس أن اكساء حق الملكية صبغة دستورية من قبل المشرع والذي نص صراحة صلب الفصل 14 من الدستور أن حق الملكية مضمون و يمارس في حدود القانون، يمثل ضمانة أساسية و آلية فعالة في تكريس حرمة المسكن . ذلك أن “غرض المشرع هو حماية المسكن و هذه الحماية هي حماية للشئ في مرحلة أولى ثم حماية للشخص الموجود به من حيث المحافظة على أمنه و كرامته” .

من ذلك، فان هذين الغرضين أو البعدين لحماية حرمة المسكن يبقيان متلازمين لا يمكن فصل احدهما عن الثاني لاتحاد مقصدهما.

وفي هذا السياق فقد جرم المشرع صلب الفصل 171 من المجلة الجزائية دخول الفرد لمسكن بدون إذن صاحبه وذلك بقصد الحصول على الصدقة موهما أن بنفسه سقوط بدنيا أو قروحا.

والملاحظ أن الفقرة الأولى من الفصل المذكور نصت على عقاب مدته ستة أشهر لمرتكب التكفف، تتضاعف في صورة الدخول إلى مسكن بدون إذن صاحبه.

كما لم يستثن المشرع الاعتداء غير المباشر على المسكن وجرّمه صلب الفصل 320 من المجلة الجزائية، رمي الأشخاص لمواد صلبة أو قاذورات على ديار أو مبان أو أملاك لغيرهم. و قد اعتبر صلب الفصل 306 من المجلة الجزائية مجرّد وضع آلة انفجارية بمحل مسكون لقصد جنائي جريمة موجبة للعقاب بالسجن مدة اثني عشر عاما.

و قد تشدد المشرع في عقاب مرتكبي الاعتداء المسلط على محل مسكون، كما أنه لم يقتصر على حماية المحلات المسكونة وإنما تجاوزها إلى حماية الأماكن المسكونة عموما باعتبارها محيطة بالمسكن وذلك في حرص جليّ منه على حماية الفرد في ممارسة حياته بصفة عامة.

و نص الفصل 316 من المجلة الجزائية في هذا السياق على أنه يستوجب العقاب المقرر بالفصل 315 من هذه المجلة الأشخاص الذين يقودون بسوق أو بغيره من الأماكن المسكونة خيلا أو عربات بسرعة مفرطة تشكل خطرا على العموم.

وفي إطار هذا التوسع الذي ميز موقف المشرع الحمائي للمسكن، فقد أضفى هذا الأخير صبغة جزائية على مسكن الحاضنة وذلك بمقتضى القانون عدد 20 لسنة المؤرخ في 2008 المؤرخ في 4 مارس 2008 و المتعلق بتنقيح مجلة الأحوال الشخصية .

فقد نص الفصل 56 مكرر من مجلة الأحوال الشخصية على عقاب بالسجن من 3 أشهر إلى عام و خطية من مائة دينارا إلى ألف دينار لكل من يتعمد التفويت بقصد أو بدونه في محل سكنى ألزم الأب بإسكان الحاضنة و محضونها به أو رهنه دون التنصيص بسند التفويت أو الرهن على حق البقاء المقرر للحاضنة قاصدا حرمانها من هذا الحق.

كذلك بالنسبة لمن يتسبب في إخراج الحاضنة من المحل المحكوم بإسكانها ومحضونها به، وذلك إما بتعمده فسخ عقد الكراء بالتراضي مع المكري أو عدم أداء معينات الكراء الحالة عليه أو في صورة الحكم على الأب بمنحة سكن قضاءه شهرا دون دفع ما حكم عليه بأدائه.

في مستوى ثان فإن المسكن في القانون الجزائي يعتبر عنصر تشديد سواء في تكييف الجريمة أو في تحديد العقوبة.

فقد نص الفصل 33 من مجلة الإجراءات الجزائية أنه يشبه الجناية أو الجنحة المتلبس بها كل جناية أو جنحة اقترفت بمحل سكنى استنجد صاحبه بأحد مأموري الضابطة العدلية لمعاينتها ولو لم يحصل ارتكابها في الظروف المبينة بالفقرة السابقة (وهي الفقرة ثانيا من الفصل المذكور) والتي تنص أنه إذا طارد الجمهور ذا الشبهة صائحا وراءه أو وجد هذا الأخير حاملا لأمتعة أو وجدت به أثار أو علامات تدل على احتمال إدانته بشرط وقوع ذلك في زمن قريب جدا من زمن وقوع الفعلة.

والملاحظ صلب الفصل 307 من المجلة الجزائية أن المشرع، قد شدد في عقوبة من يتعمد مباشرة أو تعريضا إيقاد نار بمبان أو سفن أو مراكب أو مخزن أو حضائر مسكونة أو معدة للسكنى و بصفة عامة بالمحلات المسكونة أو المعدة للسكنى بأن جعلها عقوبة بالسجن بقية العمر. وهذا التشديد يستشف من قراءة مقارنة مع الفصل 308 من المجلة الجزائية الذي نص أن العقاب المستوجب يكون بالسجن مدة عشرين عاما إذا كانت الأماكن التي أحرقت غير مسكونة أو غير معدة للسكنى. كما يجد هذا التشديد في عقوبة مرتكب جريمة الحريق العمدي تفسيرا بالنظر إلى خطورة الفعلة و ما تستوجبه من زجر.

كما شدد المشرع صلب الفصل 260 من المجلة الجزائية في العقوبة بأن حددها بالسجن بقية العمر لمرتكب السرقة الواقعة مع:

– توفر استعمال العنف الشديد أو التهديد بالعنف الشديد للواقعة له السرقة أو لأقاربه.

-استعمال التسور أو جعل منافذ تحت الأرض أو خلع أو استعمال مفاتيح أو كسر الأختام وذلك بمحل مسكون أو بالتلبس بلقب أو بزي موظف عمومي أو بإدعاء إذن من السلطة العامة زورا

-وقوعها ليلا

-من عدة أفراد

-حمل المجرمين أو واحد منهم سلاحا ظاهرا أو خفيا.

و لقد فرق الفقهاء و شراح القانون بين اقتحام المسكن اقتحاما حقيقيا أو اقتحاما حكميا. ذلك أن الاقتحام الحقيقي للمكان “يتم بواسطة التسور أو الكسر أو استعمال مفاتيح مصطنعة” ، أما الاقتحام الحكمي للمكان فانه “يتم بطريق التحايل، و التحايل هو كل فعل من أفعال الغش و التدليس تمكن به الجاني من خداع المجني عليه أو تابعه لدخول المكان” .

كما أنه إذا كان مرتكب السرقة ممن يخدم عادة بالمسكن الذي ارتكبت به السرقة، فقد نص المشرع الجزائي صلب الفصل 263 من المجلة الجزائية على معاقبته بالسجن لمدة عشرة أعوام.

ونظرا لما للمسكن من حرمة وقدسية لم يقصر المشرع احترامها من قبل الغير وإنما أيضا من قبل أصحاب المسكن ومستعمليه، فقد اعتبر هذا الأخير صلب الفصل 236 من المجلة الجزائية أن ارتكاب الزنا بمحل الزوجية يحرم مرتكبيه من تطبيق أحكام الفصل 53 في حقهم.

و يراد بمنزل الزوجية “كل منزل يكون للزوج حق تكليف زوجته بالإقامة فيه، و يكون للزوجة حق دخوله. فأي مكان يذهب الزوج إليه للإقامة فيه لمصلحة أشغاله

أو لأي سبب آخر يعتبر منزل زوجية لأنه يجب أن يكون مستعدا لقبول زوجته به” .

و يكمن مغزى التشديد في أن المشرع لم يتهاون في معاقبة الزوج الذي يتصل بخليلته في المكان الذي يكون لزوجته الحق في ان تكون معه فيه. ذلك أن منزل الزوجية “ليس هو حتما المسكن الذي يقيم فيه الزوجان عادة و لا هو المحل القانوني للزوج. بل يعتبر المنزل منزل زوجية و لو كان الزوجان لا يسكنان هالا في أوقات خاصة كمنزل الاصطياف مثلا” . والجدير بالإشارة أن الفصل 53 من المجلة الجزائية يتعلق بأعمال ظروف التخفيف المتعلقة بتطبيق العقوبات. وقد استقرت محكمة التعقيب على تطبيق هذا النص القانوني الصريح مؤكدة على أن الزنا بمحل الزوجية لا يعتمد فيه الفصل 53 القاضي بتأجيل العقاب .

و بالإضافة إلى تجريم المشرع لأفعال التي تشكل اعتداء على المسكن وتشديده للعقوبة في خصوص الأفعال المرتكبة بمحلات السكنى، فإن القانون الجزائي جرم صراحة كل فعل يستخدم فيه المسكن كوسيلة لتحقيق غايات إجرامية.

وفي هذا السياق نص الفصل 32 من المجلة الجزائية في فقرته الخامسة أنه يعد مشاركا ويعاقب بصفته تلك الشخص الذي اعتاد إعداد محل لسكنى متعاطي جرائم قطع الطريق أو الاعتداء على أمن الدولة أو الأمن العام أو على الأشخاص أو الأملاك مع علمه بأعمالهم الإجرامية. و عموما فانه طبقا لأحكام الفصل 33 من نفس المجلة يعاقب المشاركون في جريمة في كل الحالات التي لم ينص القانون على خلافها بالعقاب المقرر لفاعليها ما لم تقتضي الأحوال إسعافهم بتطبيق أحكام 53 من المجلة الجزائية المشار له سابقا.

كما نص الفصل 133 من المجلة الجزائية على أنه يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل

إنسان أعطى أعضاء عصابة مفسدين محلا للسكنى أو للاختفاء.

من ذلك و بناء على ما سبق بيانه، يتضح أن المسكن موضوع حماية صريحة في القانون الجزائي التونسي. فقد اعتبر المشرع الاعتداء على المسكن في عديد الحالات جريمة موجبة للعقاب. كما نص على المسكن بوصفه عنصر تشديد في حالات أخرى.

هذه الحماية للمسكن على مستوى القواعد الموضوعية للقانون الجزائي تتعزز بحماية على المستوى الإجرائي مثلما سيلي بيانه في الباب الموالي.

الباب الثاني :

حماية المسكن من خلال القواعد الإجرائية للقانون الجزائي

“إن البحث عن الأدلة قصد التوصل إلى المعرفة الحقيقية لا ينفي وجوب حماية الشخص ضد كل تجاوز من شأنه المس من حريته وحياته الخاصة” ، لذلك فإن القوانين الجزائية الإجرائية في معظمها نصت على حرمة المسكن وعدم جواز انتهاكها إلا بقوة القانون وذلك بمقتضى شروط نظمتها عدة نصوص تتركز أساسا صلب مجلة الإجراءات الجزائية.

هذا التنظيم الصريح صلب المادة الجزائية لإجراءات التفتيش بالمساكن تضمن جملة من الشروط الموضوعية والشكلية ، سواء بخصوص السلطة المختصة التي تصدر الإذن بالتفتيش أو الفترة الزمنية التي يقع فيها تفتيش المساكن.

وبالإطلاع على الفصول القانونية المنظمة لإجراءات التفتيش صلب مجلة الإجراءات الجزائية يتضح أن المشرع نص على مبدأ عام صلب الفصل 93 من المجلة المذكورة مفاده أن التفتيش يجري في جميع الأماكن التي قد توجد بها أشياء يساعد اكتشافها على إظهار الحقيقة، مما يعني أن المادة الإجرائية الجزائية لم تستثن المسكن رغم ماله من حرمة بمقتضى الدستور، لكنها في المقابل نظمت تفتيش محلات السكنى و أخضعته إلى ضمانات إجرائية من شانها أن تعالج في شقين أولهما يخص الشروط الموضوعية وثانيهما يتعلق بالشروط الشكلية.

ففي إطار الشروط الموضوعية لإجراءات التفتيش بمحلات السكنى و تحديدا فيما يتعلق بالسلطة المختصة، نص الفصل 94 من مجلة الإجراءات الجزائية أن تفتيش محلات السكنى من خصائص حاكم التحقيق دون سواه وهو ما نصّ عليه كذلك الفصل 53 من نفس المجلة، في إطار الباب الثاني منها الذي نظم التحقيق، بأن حاكم التحقيق يتولى بمساعدة كاتبه سماع الشهود واستنطاق ذي الشبهة وإجراء المعاينات بمحل الواقعة والتفتيش بالمنازل وحجز الأشياء الصالحة لكشف الحقيقة. ويتوجه حاكم التحقيق بمقتضى الفصل 56 من مجلة الإجراءات الجزائية من تلقاء نفسه أو بطلب من وكيل الجمهورية إلى مكان اقتراف الجريمة أو إلى مقر المظنون فيه أو إلى غيره من الأماكن التي يظن وجود أشياء فيها مفيدة لكشف الحقيقة.

على أن هذا الاختصاص المبدئي لحاكم التحقيق بالتفتيش بمحلات السكنى ليس اختصاصا حصريا وإنما وردت عليه استثناءات حددها الفصل 94 من مجلة الإجراءات الجزائية.

إذ يمكن أن يباشر التفتيش بمحلات السكنى:

– مأمور الضابطة العدلية في صورة الجناية أو الجنحة المتلبس بها وطبق للشروط المقررة بالقانون وقد نص الفصل 33 من مجلة الإجراءات الجزائية بأنه تكون الجناية أو الجنحة متلبسا بها :

أولا: إذا كانت مباشرة الفعل في الحال أو قريبة من الحال

ثانيا: إذا طارد الجمهور ذا الشبهة صائحا وراءه أو وجد هذا الأخير حاملا لأمتعة أو وجدت به آثار أو علامات تدل على احتمال إدانته بشرط وقوع ذلك في زمن قريب جدا من زمن وقوع الفعلة.

– مأمور الضابطة العدلية المبينون بالأعداد 2 إلى 4 من الفصل 10 والمكلفون بمقتضى إنابة من حاكم التحقيق وهم حكام النواحي، محافظو الشرطة وضباطها ورؤساء مراكزها وضباط الحرس الوطني وضباط صفه ورؤساء مراكزه.

– موظفو الإدارة وأعوانها المرخص لهم ذلك بمقتضى نص خاص.

وفي إطار هذه الفقرة الأخيرة وما منحته لبعض موظفي الإدارة وأعوانها المرخص لهم من صلاحية دخول للمساكن وتفتيشها، فقد نص الفصل 23 من القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 والمنقح في نوفمبر 1998 والمتعلق بالمخدرات، على أنه يمكن لأعوان الضابطة العدلية المشار لهم صلب الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية والأعوان المخول لهم قانونا بحث ومعاينة جرائم المخدرات الدخول في كل وقت إلى المحلات والأماكن التي قد توجد بها مواد مخدرة سواء للاستهلاك أو التصنيع أو الترويج أو التهريب أو التي توجد بها أشياء من شأنها أن تساعد على اكتشاف تلك العمليات.

غير أنه بالنسبة لمحلات السكنى يجب أن يسبق ذلك ترخيص كتابي من وكيل الجمهورية ما لم يكن قد تعهد بالموضوع قاضي التحقيق مع مراعاة أحكام الفصل 94 من مجلة الإجراءات الجزائية.

و عموما تبقى اغلب الضمانات التي خص بها المشرع محلات السكنى حتى يوفر لها الحماية القانونية من الانتهاكات محل تساؤل حول حقيقة جدواها على المستوى التطبيقي.

من جهة أخرى، خول الفصل 54 من القانون عدد 64 لسنة 1991 المؤرخ في 29 جويلية 1991 والمتعلق بالمنافسة والأسعار كما تمّم بموجب القانون عدد 83 لسنة 1993 المؤرخ في 26 جويلية 1993، لمتفقدي المراقبة الاقتصادية والأعوان المؤهلين لذلك التابعين لوزارة الاقتصاد، القيام بزيارة محلات السكنى وحجز ما يلزم من وثائق بها.

لكن هذه الصلاحية لم ترد مطلقة وإنما حددها الفصل 55 من القانون المذكور بوجوب الحصول على ترخيص مسبق من وكيل الجمهورية.

كما أنه وفي إطار التفتيش في الجرائم الاقتصادية، اقتضى الفصل 22 من القانون عدد 117 لسنة 1992 المؤرخ في 7 ديسمبر 1992 والمتعلق بحماية المستهلك أنه يمكن للأعوان المكلفين بمعاينة المخالفات القيام بزيارة محلات السكنى وذلك بعد الحصول على ترخيص مسبق من وكيل الجمهورية على أن تتم هذه الزيارة في إطار احترام مقتضيات مجلة الإجراءات الجزائية.

في مستوى آخر، و في خصوص بعض الجرائم القمرقية، فانه وعلى اثر إصدار مجلة الديوانة الجديدة بمقتضى القانون عدد 34 لسنة 2008 المؤرخ في 2 جوان 2008، نص الباب الرابع من المجلة المذكورة و الذي يشمل سلطات أعوان الديوانة حصرا على هذه السلطات في إطار القسم الأول منه و تتمثل في ‘حق تفتيش البضائع و وسائل النقل و الأشخاص’ و ذلك دون تفتيش المساكن.

أما في خصوص عمليات الحجز بمحلات السكنى، فقد نص الفصل 307 من مجلة الديوانة في هذه الحالة على انه “لا يقع نقل البضائع غير المحجرة إذا قدم ذو الشبهة كفالة تغطيها. و إذا لم يقدم ذو الشبهة كفالة أو إذا تعلق الأمر ببضائع محجرة فانه يقع نقلها لأقرب مكتب ديوانة أو تعهد لشخص آخر يعين حارسا عليها أما بأماكن الحجز أو بجهة أخرى.”

كما انه في مقابل ذلك نص الفصل 314 من مجلة الديوانة و في إطار في فقرته الأولى و في إطار حرص جلي على إحاطة إجراءات الحجز بضمانات كافية انه” تبطل محاضر الحجز عند الإخلال بأحد الموجبات الشكلية التالية:

-سبب الحجز و تاريخ و مكان وقوعه و وصف البضائع المحجوزة.

-هوية ذي الشبهة إن كان معلوما.

-هوية الأعوان الذين تولوا الحجز.”

و الملاحظ ان صلاحيات صلاحيات أعوان الديوانة قد تقلصت و طالها تحديد كبير مقارنة بما كان لهم من سلطة تفتيش لمحلات السكنى منصوص عليها صلب التشريع السابق .

في مستوى ثان يتعلق بالشروط الشكلية المتعلقة بإجراءات التفتيش بمحلات السكنى فإننا نتناول بالدرس و بصفة أساسية الفصلين 95 و 96 من مجلة الإجراءات الجزائية الذين نظما هذه المسالة.

فقد نص الفصل 95 على مواعيد زمنية يتوجب احترامها عند إجراء التفتيش بمحلات السكنى، إذ لا يمكن إجراء التفتيش بهذه المحلات وتوابعها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد الساعة الثامنة مساءا. لكن الفصل المذكور ألحق بهذا المبدأ استثناء يتمثل في صورة الجناية أو الجنحة المتلبس بها أو إذا اقتضى الحال الدخول المحل للسكنى ولو بغير طلب من صاحبه بقصد إلقاء القبض على ذي الشبهة أو على مسجون فار.

كما أضاف المشرع من جهة أخرى شرطا يتعلق بإجراءات التفتيش بمحلات السكنى ويتمثل طبقا لأحكام الفصل 96 من مجلة الإجراءات الجزائية في وجوب اصطحاب حاكم التحقيق أو مأمور الضابطة العدلية لامرأة أمينة عند مباشرة التفتيش بهذه المحلات إذا كان ذلك لازما. و هذا الإجراء يعكس حرص المشرع على احترام العادات و التقاليد و ما تفترضه حرمة الحياة الخاصة من واجب احترام و عدم كشف للخصوصيات.

مع الإشارة إلى أن الفصل المذكور لم يحدّد بصفة صريحة لمن ترجع سلطة تقدير هذا اللزوم من عدمه.

كما نص الفصل 96 المشار إليه في فقرته الأخيرة أنه إذا ظهر عدم إمكان حضور المظنون فيه أو عدم الفائدة من حضوره وقت التفتيش فإن حاكم التحقيق يحضر للعملية شاهدين من سكان المحل وإن لم يتيسر ذلك فينتخبهما من الأجوار ويلزم إمضاؤها بالتقرير. و في هذا الإجراء توفير لمزيد الضمانات القضائية فيما يخص حرمة المسكن و كذلك مصلحة المتهم الشرعية.

في مستوى ثان تطرح مسألة تفتيش محل السكنى الخاص بالمبعوث الدبلوماسي إشكالا على المستويين النظري و التطبيقي، ذلك أن الحصانة الدبلوماسية تشمل شخص المبعوث ومقر عمله ومسكنه طبقا لما استقر عليه العرف الدولي. و تتجلى أهم مظاهرها في عدم خضوع المبعوثين الدبلوماسيين للإجراءات الجزائية في إقليم الدولة الموفد إليها.

والملاحظ أن المشرع التونسي لم يتعرض صلب مجلة الإجراءات الجزائية إلى إجراءات تفتيش مقر البعثات الدبلوماسية، إلا أن القانون عدد 39-67 المؤرخ في 21 نوفمبر 1967 و المتعلق بترخيص انخراط البلاد التونسية في اتفاقية فيانا للعلاقات الدبلوماسية و في البروتوكول الملحق بها في شأن التحصيل على الجنسية ، أقر انضمام الجمهورية التونسية لاتفاقية فيانا الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية و التي نصت صلب الفصل 22 على حصانة الأماكن الدبلوماسية الموجودة بتونس. و تبرر هذه الحصانة بمبدأ الحرمة الدبلوماسية التي تقر بعدم خرق مسكن موظف البلد الأجنبي، كما ينتج عن هذا منع أعمال التحقيق الجزائي التي تقوم بها السلطات المختصة في مادة التفتيش .

كما صادقت بلادنا في نفس السياق على معاهدة سنة 1973 المتعلقة بردع المخالفات ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية. لكن في جميع الأحوال فان هذه الحصانة لا يعتدّ بها إلا خلال قيام الشخص بعمله بوصفه مبعوثا دبلوماسيا في الدولة المبعوث إليها باعتبار ان الغرض من تمتع المبعوث الدبلوماسي بحصانات معينة تشمل شخصه و مقر عمله و مسكنه هو بالأساس ضمان قيامه بمهمته في الدولة المبعوث إليها على الوجه الأكمل .

أما الاستثناء الثاني فانه يطرح حول مدى الحصانة التي يتمتع بها مسكن عضو مجلس النواب. و تمثل الحصانة البرلمانية أثرا لمبدا تفريق السلطات ، إذ من الثابت أن المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام جسيمة تتعلق أساسا بسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي، لذلك كان لزاما أن يعطي الدستور حصانة لأعضاء مجلسي النواب والمستشارين حتى يمارسوا أعمالهم دون أية قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية عن أي ضغوط.

و قد نص الفصل 27 من الدستور على انه لا يمكن تتبع أو إيقاف أحد أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين طيلة نيابته في تهمة جنائية أو جناحية ما لم يرفع عنه المجلس المعني الحصانة. أما في حالة التلبس بالجريمة فانه يمكن إيقافه ويعلم المجلس المعني حالا على أن ينتهي كل إيقاف إن طلب المجلس المعني ذلك .

في المقابل و رغم ما يحظى به النائب من حصانة تحول دون تفتيشه داخل البرلمان، فان هذه الحصانة لا تشمل مسكنه الذي يبقى خاضعا للمبادئ القانونية الجزائية العامة. ذلك أن الحصانة لا تمتد إلى مسكن ممثل الشعب و لا تشمل إلا مقر البرلمان . مجملا، تبدو مظاهر حماية المسكن في القانون الجزائي متعددة و مختلفة الأبعاد، لكن هذا التنوع لا يمكن أن يخفي بأي حال من الأحوال النقائص و الحدود التي طالت حماية المسكن في القانون الجزائي مثلما سوف نتبينه في الجزء التالي من هذه الدراسة.

الجزء الثاني

حدود حماية المسكن في القانون الجزائي

إن المقصود بحماية المسكن هو صد و درء جميع الانتهاكات التي يمكن أن تطاله بمختلف أبعاده التي يمثلها بالنسبة إلى الفرد و التي تشمل حرية استعماله و استغلاله والتصرف فيه أي بوجه عام ممارسة حق الملكية. و ترتبط ممارسة هذا الحق ارتباطا وثيقا مع حرية الإقامة بوصفها حقا دستوريا.

في المقابل، نص القانون بصورة استثنائية على حالات يتم فيها التعدي على حرمة المسكن أو حرية اختياره.

من ذلك فقد جرّم المشرع في بعض الحالات اعتراض صاحب المسكن أو مستغله على دخول أعوان السلطة المخولين لذلك و هو ما ينطوي تحت باب انتهاك حرمة المسكن بمقتضى القانون (الباب الأول). كما يمكن أن يتخذ خرق مبدأ حرية اختيار المسكن شكل العقوبة المقررة بمقتضى القانون (الباب الثاني).

الباب الأول :

انتهاك حرمة المسكن بمقتضى القانون

اقتضى الفصل 315 من المجلة الجزائية أنه يعاقب بالسجن مدة خمسة عشر يوما وبخطية قدرها أربعة دنانير وثماني مائة مليم الأشخاص الذين يمنعون أحد أعوان السلطة من دخول محلاتهم حال مباشرته تنفيذ ما اقتضاه القانون.

خول هذا الفصل مبدئيا لأعوان السلطة دخول المحلات، وقد وردت عبارة المحلات مطلقة بحيث يمكن اعتبار المسكن منضويا تحت مناط هذا الفصل. و هذه الصلاحية يستمدها أعوان السلطة بقوة القانون وقد وردت معلقة على شرط أن يكون عون السلطة بحالة مباشرة لتنفيذ ما اقتضاه القانون.

فلئن أقر المشرع بحرمة المسكن وضرورة حمايته من كل تعدي أو انتهاك إلا أنه أباح تجاوز هذا المبدأ في بعض الحالات وذلك بمقتضى استثناءات تشريعية خولت لأعوان السلطة أصحاب الصلاحية الدخول للمساكن وذلك دون توقف على إذن أصحابها.

ولئن تعرضنا إلى وجه من أوجه هذه الإباحة حين التطرق لمسألة التفتيش ومقتضياته الإجرائية، فإن الاستثناء الثاني يتمثل في حالة تنفيذ الأحكام بما تخوله من صلاحية لأعوان السلطة المختصين من دخول لمحلات السكنى.

وفي هذا الإطار يتجه التمييز بين الأحكام الصادرة في المادة المدنية والأحكام الجزائية:

ترجع صلاحية تنفيذ حكم مدني أحرز على قوة اتصال القضاء، بمعنى أنه أضحى حكما غير قابل للطعن بإحدى الوسائل المعطلة للتنفيذ بعد اكسائه بالصبغة التنفيذية، أو كان مأذونا بتنفيذه وقتيا، إلى اختصاص عدول التنفيذ وذلك بمقتضى القانون المؤرخ في 13 مارس 1995 المنظم لمهنة العدول المنفذين.

وفي هذا الإطار نص الفصل 294 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية على أن “للعدل المنفذ إذا كانت عمليات التنفيذ تتطلب ذلك أن يدخل إلى المحلات التي يجب أن تجري فيها تلك العمليات.

و إذا حيل بينه و بين الدخول إليها أو كانت الأبواب موصدة فان له أن يقيم حارسا على الأبواب لمنع كل استيلاء ثم يطلب فورا مساعدة رئيس مركز الشرطة أو الحرس الوطني و يفتح بمحضره أبواب الدور و البيوت و كذلك الأثاث كلما استلزمت عمليات التنفيذ ذلك و رئيس مركز الشرطة أو الحرس الوطني الذي يكون قد ساعد على عمليات التنفيذ يمضي محضر التنفيذ المحرر من طرف العدل المنفذ”.

والملاحظ في هذا الفصل أن المشرع أورد عبارة المحلات على إطلاقها بحيث جاءت شاملة لمعنى المسكن طالما لم يرد استثناؤه من مجال تطبيق هذا الفصل. كما أنه و في سياق الحديث عن فتح أبواب الدور و البيوت و الأثاث ترك سلطة تقدير لزوم ذلك إلى عدل التنفيذ.

لكن من جهة أخرى، فرض المشرع على عدل التنفيذ إتباع إجراءات حددها الفصل 291 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية في صورة الدخول إلى محلات سكنى. و قد نص هذا الفصل أن “إجراء أي عمل تنفيذي ليلا في أيام الأعياد الرسمية يكون باطلا إلا في صورة الضرورة وبمقتضى إذن من قاضي الأذون على العرائض. ويشمل الليل من أول أفريل إلى 30 سبتمبر الساعات التي بين الثامنة مساءا و الخامسة صباحا ومن أول أكتوبر إلى 31 مارس الساعات التي بين السادسة مساءا والسابعة صباحا”.

كما نص الفصل 292 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية على شروط زمنية إضافية إذ أنه “لا يمكن علاوة على ذلك إجراء أي عمل من أعمال التنفيذ:

أولا- ضد المسلمين: يوم الجمعة و الأيام الأخيرة من رمضان بداية من اليوم السابع و العشرين منه و اليوم الثالث من عيد الفطر و اليوم الثاني من عيد الأضحى و اليوم الموالي ليوم المولد،

ثانيا-ضد الإسرائيليين: يوم السبت و يومي روشانة و كبور و اليومين الاولين و اليومين الأخيرين من سوكوت (عيد الحويدة) و يوم بوريم (عيد استير) و اليومين الأخيرين من بيسيح (عيد الفطيرة) و يومي سبعوت (عيد العنصرة)،

ثالثا-ضد المسيحيين: يوم الأحد و يوم الخميس من عيد الصعود و اليوم الخامس عشر من أوت (عيد النزول) و يوم أول نوفمبر و اليوم الخامس و العشرين من ديسمبر (عيد الميلاد)”.

هذه القيود الزمنية المفروضة على إجراءات تنفيذ الأحكام، و التي غالبا ما ينجر عنها إمكانية خرق حرمة المسكن بقوة القانون، إنما تعكس حرص المشرع على احترام ما يمثله المسكن للفرد من خصوصية و طمأنينة و سعادة لا سيما في مختلف المناسبات و الاحتفالات الدينية و التي أخذها المشرع بعين الاعتبار و عددها بصورة مفصلة لكل دين.

كما وضع المشرع من جهة أخرى شرطا شكليا نص عليه الفصل 295 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية و يتمثل في إمكانية استعانة العدل المنفذ في أعماله عند الاقتضاء بامرأة من الثقات، لكن مع إبقاء تقدير هذا الاقتضاء من عدمه إلى عدل التنفيذ نفسه.

أما في خصوص تنفيذ الأحكام الجزائية فقد نص الفصل 20 من مجلة الإجراءات الجزائية على أن النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية وتمارسها كما تطلب تطبيق القانون وتتولى تنفيذ الأحكام.

كما اقتضت الفقرة الأولى من الفصل 336 من مجلة الإجراءات الجزائية أن يتتبع تنفيذ الحكم ممثل النيابة العمومية والخصوم كل فيما يخصه.

فالنيابة العمومية تختص بتنفيذ الأحكام الجزائية وذلك لطبيعة دورها المتمثل في حماية مصلحة المجتمع ، أما الجانب المدني من الأحكام الجزائية فيحرص المتضرر على تنفيذه مقابل جبر ضرره المادي أو المعنوي أو كليهما.

والتنفيذ ضد من حكم بإدانته أو صدرت في شأنه بطاقة جلب يستوجب في عدة حالات الدخول إلى محلات مسكونة، على أن هذه الصلاحية المخولة للنيابة العمومية لدى تنفيذها للأحكام والتي لا تخلو من خرق لحرمة المسكن إنما تفسر أساسا بسموّ الغاية من تنفيذ الحكم الجزائي والمتمثلة في حماية المصلحة العامة و دفع الخطر المتمثل في إبقاء مجرم ثبتت إدانته طليقا بين أفراد المجتمع.

وعموما فإن هذه الاستثناءات المتصلة جلها بالنظام العام، ولئن كانت تتعارض مع مبدأ حرمة المسكن، إلا أنها تقيم الدليل بحكم تعددها وأهميتها على أن المسكن ليس إلا مكان سيادة مصغرة ذات حرمة جد نسبية لا يتردد المشرع الحديث في الحد من حمايته لغرض مصلحة عامة .

في مستوى آخر، فقد اقتضى الفصل 35 من مجلة حماية الطفل أن مندوب حماية الطفولة يقدر ما إذا كان هناك ما يؤكد فعلا وجود حالة صعبة تهدد صحة الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية على معنى الفصل 20 من المجلة .

و يتمتع مندوب حماية الطفولة في هذا الشأن بالصلاحيات التي تؤهله للدخول بمفرده إلى أي مكان يوجد فيه الطفل أو مصطحبا بمن يرى فائدة في اصطحابه مع وجوب الاستظهار بوثيقة تثبت وظيفته. غير أنه لا يجوز له دخول البيوت المسكونة إلا بإذن من شاغليها. و يقتضي القيام بالإجراءات المشار إليها الحصول على إذن عاجل يصدره قاضي الأسرة بناء على مطلب يقدمه مندوب حماية الطفولة على ورق عادي.

و تعليقا على ما نص عليه هذا الفصل من وجوب حصول مندوب حماية الطفولة على إذن من شاغلي المساكن المراد دخولها قبل الدخول، يبدو أن هذا الشرط في غير محله و يمكن اعتباره من قبيل التعسف بالنظر لسمو الغاية من ولوج المسكن والمتمثلة في الوقوف على تهديد لسلامة طفل. ذلك أن تعرض الطفل إلى التهديد في سلامته البدنية أو النفسية من شانه أن يمثل حالة استثنائية يجدر في صورة ثبوت توفرها تجاوز الشروط الشكلية و منح مندوب الطفولة سلطة تقدير لزوم الدخول إلى المسكن حيث يتعرض الطفل للتهديد و ذلك دون التوقف على إذن بذلك طالما استقام لديه الدليل بأن وجه التهديد ثابت.

الباب الثاني:

خرق مبدأ حرية اختيار المسكن بمقتضى

القانون

تصنف الحريات العامة إلى حريات جماعية و حريات فردية.

و تتمثل الأولى في الحريات التي تمارس جماعيا، أما الثانية فهي تلك التي يمارسها الشخص بمفرده و لا تفترض مشاركة له من الغير. و قد تم تعريف الحريات الفردية عموما بأنها مجموع الحقوق و القدرات التي تضمن الحرية و الكرامة للذات البشرية و تتمتع بحماية مؤسساتية .

و تندرج حرية الإقامة ضمن الحريات الفردية، و هي مبدئيا مضمونة بمقتضى الدستور الذي نص صلب الفصل 10 منه على أن لكل مواطن حرية التنقل داخل البلاد والى خارجها واختيار مقر إقامته في حدود القانون. و تمثل حرية الإقامة إحدى أوجه تكريس مبدأ حرمة المسكن باعتبار أن حرمة المسكن تعني حق الفرد في اختيار مسكنه وحق تغييره وحرية استعماله والإقامة فيه والخروج منه.

و تتمثل الاستثناءات الواردة على حرية المسكن في عقوبتي منع الإقامة من جهة و المراقبة الإدارية من جهة أخرى.

لكن المشرع وضع عديد الاستثناءات على هذا المبدأ بإقراره منع الإقامة في عديد الفصول صلب المجلة الجزائية. إذ ورد منع الإقامة في إطار التنصيص على قائمة العقوبات التكميلية صلب الفصل 5 من المجلة الجزائية.

وقد عرّف المشرع هذه العقوبة صلب الفصل 22 من المجلة الجزائية بأنها منع المحكوم عليه من الإقامة والظهور بأماكن أو جهات تعين بالحكم. ويكون الحكم به في الصور المنصوص عليها بالقانون ولا تتجاوز مدته عشرين يوما. بمعنى أن كل من سلطت عليه تكميليا عقوبة منع الإقامة يكون مجبرا على التخلي عن مسكنه إذا كان غير مطابق للتنصيصات الواردة بالحكم الجزائي أو موجودا بالأماكن أو الجهات المعينة بالحكم والتي سلط منع الإقامة في دائرتها الترابية.

وقد وردت عقوبة منع الإقامة بوصفها عقوبة تكميلية صلب عديد الفصول بالمجلة الجزائية.

في مستوى أول، نص الفصل 139 من المجلة الجزائية و المندرج صلب القسم الخامس حول الجرائم التي تتعلق بالتجارة والصناعة على أنه يعاقب بالسجن من شهرين إلى عامين و بخطية من أربع مائة و ثمانين دينارا إلى أربعة و عشرين ألف دينار كل من يحدث أو يحاول أن يحدث مباشرة أو بواسطة ترفيعا أو تخفيضا مصطنعا في أسعار المواد الغذائية أو البضائع أو الأشياء العامة أو الخاصة و ذلك:

1- بتعمد ترويج أخبار غير صحيحة أو مشينة لدى العموم أو تقديم عروض بالسوق بهدف إدخال اضطراب على الأسعار أو تقديم عروض شراء بأسعار تفوق ما طلبه الباعة أنفسهم أو بغيرها من وسائل و طرق الخداع مهما كان نوعها.

2- بممارسة أو محاولة ممارسة تدخل فردي أو جماعي على السوق بقصد الحصول على ربح لا يكون نتيجة قاعدة العرض و الطلب الطبيعيين.

و يحكم زيادة على ذلك بمنع الإقامة لمدة لا تقل عن عامين و لا تتجاوز خمسة أعوام.

كما نص الفصل 140 من المجلة المذكورة على انه يكون العقاب بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام و بخطية من ألف و مائتي دينار إلى ستة و ثلاثين ألف دينار إذا تعلق الترفيع أو التخفيض أو محاولة ذلك بحبوب أو دقيق أو مواد غذائية أو مشروبات أو محروقات أو أسمدة.

و يرفع العقاب إلى السجن مدة خمسة أعوام و خطية قدرها ثمانية و أربعين ألف دينار إذا لم تكن المواد الغذائية أو البضائع داخلة في الدائرة الاعتيادية لنشاط المخالف.

و يجوز للمحكمة زيادة على ذلك القضاء بمنع الإقامة لمدة لا تقل عن خمسة أعوام و لا تتجاوز عشرة أعوام.

كما سلط المشرع على مرتكبي جرائم التوسط في الخناء و التحريض على الفجور المنصوص عليها صلب الفصول 232 و 233 و 234 من المجلة الجزائية عقوبة تكميلية و هي تحجير الإقامة . إذ نص الفصل 235 من المجلة الجزائية انه تسلط العقوبات المنصوص عليها بالفصول 232 و 233 و 234 السابقة حتى و لو كانت مختلف الأعمال التي تؤلف عناصر الجريمة قد ارتكبت ببلدان مختلفة. و يحكم بتحجير الإقامة مدة لا تزيد على عشرة أعوام على مرتكبي الجرائم المنصوص عليها بالفصول المذكورة.

تسلط العقوبات المنصوص عليها بالفصول 232 و233 و 233 و 234 السابقة حتى ولو كانت مختلف الأعمال التي تؤلف عناصر الجريمة قد ارتكبت ببلدان مختلفة.

ويحكم بتحجير الإقامة مدة لا تزيد على عشرة أعوام على مرتكبي الجرائم المنصوص عليها بالفصول المذكورة.

و قد أكدت محكمة التعقيب أن مرتكب الجرائم المنصوص عليها بالفصول 232-233-234 من القانون الجنائي زيادة على العقاب الأصلي يجب أن تسلط عليه عقوبة تحجير الإقامة مدة لا تزيد عن عشرة أعوام و تأسيسا على هذا فالحكم الذي اقتصر على تسليط عقاب أصلي من اجل جريمة التوسط في الخناء يكون قد ارتكب خرقا سافرا للقانون و معرضا للنقض .

كما جرّم المشرع مخالفة منع الإقامة صلب القسم التاسع من المجلة الجزائية حيث نصّ الفصل 150 على انه يعاقب بالسجن مدة عام المحكوم عليه الذي يخالف منع الإقامة

أو الذي جعل تحت المراقبة الإدارية ويرتكب مخالفة الواجبات التابعة لها.

كما نص الفصل 151 من المجلة الجزائية على انه في ما عدا الاستثناءات المقررة بالفصل 149 من نفس المجلة يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر كل من يتعمد التستر على محل اختفاء المحكوم عليه الذي ارتكب مخالفة منع الإقامة أو خلص نفسه من المراقبة الإدارية.

وتتعلق الاستثناءات المشار لها بأصول المسجون الفار وإن علوا وفروعه وإن سفلوا و الزوج أو الزوجة. من جهة أخرى، فقد اقتضى الفصل 49 من القانون عدد 40 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 و المتعلق بجوازات السفر و وثائق السفر أن للمحكمة أن تقضي بالمراقبة الإدارية أو المنع من الإقامة بأماكن معينة لمدة أقصاها خمسة أعوام على مرتكبي الجرائم المنصوص عليها بهذا الباب (و هو الباب الرابع المتعلق بدخول التراب التونسي و مغادرته) من التونسيين.

و في نفس السياق نص الفصل 50 من القانون السابق الإشارة له أنه يجب طرد الأجنبي المحكوم عليه من أجل الجرائم المنصوص عليها بالباب المتعلق بدخول التراب التونسي و مغادرته من التراب التونسي و ذلك بمجرد قضائه للعقاب.

و الملاحظ أن عقوبة الطرد هي عقوبة قاسية تتضمن غاية زجرية جلية و تسلط على الأجانب.

كما نص الفصل 24 من القانون عدد 4 لسنة 1969 المؤرخ في 24 جانفي 1969 و المتعلق بالاجتماعات العامة و المواكب و الاستعراضات و المظاهرات و التجمهر انه يعاقب بالخطية من 10 إلى 200 دينار و بالسجن من شهر إلى عامين الأشخاص الذين عقدوا اجتماعا محجرا طبقا لمقتضيات الفصل السابع من هذا القانون و كذلك بالنسبة للأشخاص الذين اعدوا محلا على ذمة المنظمين للاجتماع بدون أن يتأكدوا من أن الإعلام عنه وقع بصفة قانونية. و في العود تضاعف العقوبات و يمكن التصريح بتحجير الإقامة لمدة خمس سنوات على الأقل و عشر سنوات على الأكثر.

من جهة أخرى، سلط المشرع على مبدأ حرية الإقامة استثناء يقضي بخرق هذه الحرية كشرط فيما يتعلق بحالات الإفراج.

فقد نص الفصل 85 من مجلة الإجراءات الجزائية انه يتحتم الإفراج بضمان أو بدونه بعد الاستنطاق بخمسة أيام عن المتهم الذي له مقر معين بالتراب التونسي و لم يسبق الحكم عليه بأكثر من ستة أشهر سجنا إذا كان أقصى العقاب المقرر قانونا لا يتجاوز عامين سجنا فيما عدا الجرائم المنصوص عليها بالفصول 68 و 70 و 217 من المجلة الجزائية و المتعلقة بالمؤامرة ضد امن الدولة الداخلي و القتل عن غير قصد، “وهي صورة تنضاف إلى جملة الصور المعروفة بالإفراج الوجوبي متى يلزم قاضي التحقيق بالإفراج عن المتهم وجوبا” .

كما نص الفصل 86 من نفس المجلة في إطار القسم السادس المتعلق بالإفراج المؤقت، على أن الإفراج المؤقت يمكن أن يأذن به قاضي التحقيق في أي وقت بناء على طلب وكيل الجمهورية أو المظنون فيه نفسه أو محاميه مع مراعاة القيود الواردة بالفقرة السابقة. و لا يفرج مؤقتا عن المظنون فيه إلا بعد أن يتعهد لقاضي التحقيق باحترام التدابير التي قد يفرضها عليه كليا أو جزئيا و التي تدور أساسا حول الحد من حرية الإقامة أو التنقل و تتمثل في:

-اتخاذ مقر له بدائرة المحكمة

-عدم مغادرة حدود ترابية يحددها القاضي إلا بشروط معينة

-منعه من الظهور في أماكن معينة

-إعلامه لقاضي التحقيق بتنقلاته لاماكن معينة

-التزامه بالحضور لديه كلما دعاه لذلك و الاستجابة للاستدعاءات الموجهة له من السلط فيما له مساس بالتتبع الجاري ضده.

في مستوى ثان، نص المشرع على عقوبة تكميلية أخرى تمثل خرقا لحرية الإقامة و اختيار المسكن عن إرادة و طواعية و هي عقوبة المراقبة الإدارية.

طبقا للفصل 23 من المجلة الجزائية، يخول الحكم بالمراقبة الإدارية للسلطة الإدارية حق تعيين مكان إقامة المحكوم عليه عند انقضاء مدة عقوبته و تغيير مكان إقامته كلما رأت ضرورة لذلك. كما أكد الفصل الموالي له أنه لا يسوغ للمحكوم عليه مبارحة المكان الذي حددت إقامته به بدون رخصة.

و في صورة الحكم بالعقاب الصادر تطبيقا لأحكام الفصول 60 الى 79 و الفصول 231 إلى 235 من المجلة الجزائية أو الصادر من أجل مخالفة التشريع المتعلق بالمخدرات، اقتضى الفصل 26 من المجلة الجزائية أنه تتحتم المراقبة الإدارية مدة عشرة أعوام إلا إذا قضت المحكمة بخلاف ذلك.

و عموما في خصوص جميع العقوبات التكميلية المحكوم بها فان تنفيذها على المحكوم علية بالسجن و الذي منح السراح الشرطي يبتدئ من تاريخ الإفراج عنه و ذلك طبقا لأحكام الفصل 358 من مجلة الإجراءات الجزائية.

و قد اعتبر بعض شراح القانون في خصوص المراقبة الإدارية أن “المراقبة بطبيعتها و بالغرض المقصود منها هي اقرب إلى أن تكون تدبيرا من تدابير الأمن من أن تكون عقوبة جنائية لان علتها الخطر الذي ينذر ماضي المحكوم عليه بوقوعه على الهيئة الاجتماعية” . و يترتب عن إخضاع المحكوم عليه إلى المراقبة الإدارية إلزامه بالإقامة في جهة أو بالأحرى دائرة ترابية محددة مع إخضاعه لجملة من الإجراءات الإدارية الوجوبية و التي تتعلق بالنظام العام.

و الواضح انه فيما يتعلق بعقوبتي المراقبة الإدارية و منع الإقامة فان السلط الأمنية تتدخل لتنفيذها مباشرة بعد إحالة المضمون التنفيذي من قبل النيابة العمومية .

الخـــــــــاتمـة

إن الأهمية الخاصة التي يحظى بها المسكن في القانون الجزائي، و ذلك بمختلف أبعاده التي يمثلها للفرد و للمجتمع، يمكن أن تفسر إلى مدى كبير مرونة مفهومه باعتباره غير قابل بحكم طبيعته و بحكم القانون أيضا للتقييد أو التضييق. ذلك أن المسكن يعتبر من بين المفاهيم القابلة لمسايرة التطور التشريعي و الاجتماعي أيضا باعتبار أنه لا يمكن الحديث عن تطور تشريعي بمعزل عن المجتمع.

و قد حاول المشرع في مختلف فصول المجلة الجزائية و مجلة الإجراءات الجزائية و كذلك في بعض الفصول الواردة صلب القوانين الخاصة و التي تعلقت بالمسكن، أن يحقق التوازن المنشود، و إن لم يوفق في بعض الأحيان، بين مصلحة الفرد الخاصة من جهة و المصلحة العامة من جهة أخرى.

لكن بتأمل الوسائل المتخذة لحماية المصلحة العامة و ذلك في صورة تعارضت مع مصلحة الفرد الخاصة، و التي من شأنها أن تحدث انتهاكا لحرمة المسكن، يتبين أن الغاية الأساسية من حماية حرمة المسكن ترتقي إلى ضمان استقرار الأمن و السلام في المجتمع عموما باعتبار أنه لا يمكن أن نتناول بالدرس وضعية الفرد بمعزل عن المجتمع. ذلك أن الاعتراف بحق الإنسان في حرمة مسكنه و حرية اختياره يبقى مشروطا بأن لا يتعدى على حقوق الآخرين في العيش في إطار عام من الأمن والاستقرار.

من الحقوق الأساسية لكل إنسان، أن تكون له الحرية في التفكير وإبداء الرأي، فإذا كان هذا الشخص يمارس مهنة الإعلام فهي له أَولى وأخص. والصحافة بوصفها مهنة البحث عن الأخبار وعرضها والتعليق عليها، وعمل التحقيقات الصحفية وكتابة المقالات وغير ذلك من الأعمال الصحفية، فإن استخدام الصحفي لهذا الحق قد يتعارض مع حق الغير في صيانة حياته الخاصة.  وأدى انتشار وسائل الإعلام بوجه عام، والصحافة بوجه خاص، سواء المطبوعة أم الإلكترونية إلى زيادة هذا الخطر، إذ أنه مقيد بحق الأشخاص في صون حياتهم الخاصة من الانتهاك والتجريح.

     والاعتراف بالحق في الحياة الخاصة يعد حلقة هامة من حلقات رعاية الشخصية وحمايتها ضد ما قد يتهددها من أخطار، وتعددت وسائل التوصل إلى هذا الهدف. منها أن  القانون يحمى الشخصية عن طريق المبدأ العام الذي وضعه في المادة 50 من القانون المدني رقم 131 لسنة 1948، التي نصت على أنه: “لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته، أن يطلب وقف هذا الاعتداء، مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر”. كما نصت المادة 57 من مشروع دستور 2014 على أنّ “للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تُمس “وقررت المادة 99 منه أن “كل اعتداء على الحرية الشخصية، أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون: جريمة …”.

حرية التعبير الصحفي وحرمة الحياة الخاصة

      بدأت الدراسة بباب تمهيدي أوضح فيه الباحث معنى الصحفي والصحيفة للتمييز بينهما وبين غيرهما مما قد يختلط معهما في هذا المعنى، فليس كل من يكتب مقالاً في صحيفة صحفياً، وليس كل مطبوع يُنشر صحيفة. فالصحافة تمثل ضمير الأمة، وهى الحارس الأمين على تقاليد المجتمع، فإذا اهتز ضميرها وخفت حراستها لتقاليد مجتمعنا الراسخة اهتزت الأمة بأسرها، واهتز حاضرها ومستقبلها.

     وقد عرفت المادة السادسة من قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 الصحفي بأنه من باشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة في صحيفة يومية أو دورية تُطبع في مصرأو وكالة أنباء مصرية أو أجنبية تعمل فيها، وكان يتقاضى عن ذلك أجراً ثابتاً مع التفرغ لهذا العمل. والصحفي قد يكون تابعًا للصحيفة مرتبطًا معها بعقد عمل، ويسمى بالصحفي المستخدَم، وهو يخضع في أداء عمله لرقابة رب العمل وتوجيهه. وقد يكون الصحفي مستقلاً في ممارسة المهنة بحيث يمارس عمله بحرية واستقلال تسمح له باختيار ما يتناوله من موضوعات، ويكون غالباً في إطار السياسة العامة للصحيفة. وإذا كان لرئيس تحرير الصحيفة الحق في تعديل أو تقليص ما يكتبه الصحفي المستخدَم؛ فليس له هذا الحق مع ما يقدمه الصحفي المستقل من أعمال، وعليه طلب إجراء التعديل من الصحفي المستقل، فإن أبى، كان له حق الامتناع عن نشر المقال كاملاً.

     وقد عرفت المادة الأولى من قانون المطبوعات، وكذلك المادة 114 من قانون نقابة الصحفيين الصحيفة بأنها: كل مطبوع يصدر باسم واحد بصفة دورية في مواعيدمنتظمة أو غير منتظمة، ويشترك في تحريرها العديد من الكتاب. ويستثنى من معنى الصحيفة بهذا المفهوم كلاً من المجلات والصحف والنشرات التي تصدرها الهيئات العامة أو الهيئات العلمية والتنظيمات النقابية والتعاونية.

     وقد ظهر في العصر الحديث ما يسمى بالصحافة عبر الوسائل الإلكترونية، التي أحدثتها ظهور شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) التي أحدثت ثورة معرفية هائلة في مجال الاتصالات والإعلام، حيث تحولت الصحيفة من منتج مطبوع على ورق، إلى منتج يتمّ استقباله على شاشة. فهي وسيلة من الوسائل متعددة الوسائط، تُنشر فيها الأخبار والمقالات وكافة الفنون الصحفية عبر شبكة المعلومات الدولية الإنترنت بشكل دوري وبرقم مسلسل، باستخدام تقنيات عرض النصوص والرسوم والصور المتحركة وبعض الميزات التفاعلية.

     وأشار الباحث إلى أن المادة 72 من الدستور المصري الصادر في 2014 نصت على أنه: “تلتزم الدولة بضمان استقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام”.

نطاق الحق في الحياة الخاصة

     يشير الباحث في الفصل الأول من الباب الأول إلى أن حرية الصحافة هي واحدة من تطبيقات حرية الرأي والتعبير، وحرية الرأي والتعبير تعطى للصحفي الحق في إبداء النقد المباح لأمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير بت أو الحط من كرامته، حيث يجب على الصحفي الالتزام بالصدق والموضوعية دون تشويه أو تحريف للحقائق، أو اختلاقها بشكل يجعلها بعيدة كل البعد عن منهج الصدق، متحريًا في ذلك المحافظة على سمعة الأفراد واحترام خصوصياتهم.

     ونظرًا لعدم التوصل إلى تعريف جامع مانع لفكرة الحياة الخاصة؛ نظرًا لصعوبة ذلك باعتراف عامة الفقهاء، فقد ذهب اتجاه آخر من الفقهاء إلى تعريف الحياة العامة للفرد بحسبها الحياة المعلومة الظاهرة للجميع؛ بحيث يصبح ما عداها داخلاً في إطار الحياة الخاصة. فهو تعريف بطريق الاستبعاد، فما يخرج عن نطاق الحياة العامة؛ يعد داخلاً في نطاق الحياة الخاصة، وهو ما يعرف بأنصار التعريف السلبي للحياة الخاصة، غير أن أنصار هذا الفريق أيضًا اعترفوا بصعوبة وضع معيار منضبط للتفرقة بين الحياة العامة والخاصة، ويرجع ذلك لاستحالة معرفة متى تبدأ كلاً منهما ومتى تنتهي؛ نظراً لشدة ارتباطهما مما يصعب معه الفصل بينهما من الناحية العملية.

عناصر الحق في الحياة الخاصة المتفق عليها فقهاً وقضاءً

وتتمثل هذه العناصر فيما يلي:   

العنصر الأول:حرمة المسكن والمكان الخاص: للفرد أن يرفع الحرمة عن مسكنه بإرادته؛ إذا سمح للعامة بغير تمييز بالتردد عليه، كما تتقرر حرمة المسكن بغض النظر عن الطبيعة القانونية لحق صاحبه. الثاني: حرمة محل إقامة الشخص ورقم تليفونه: وهما من عناصـر الحياة الخاصة. الثالث: حرمة المراسلات الخاصة: تعد المراسلات الخاصة مجالاً هامًا لإيداع أسرار الأفراد، سواء تعلقت بالمرسل أم بالمرسل إليه أم بالغير. الرابع: حرمة المحادثات الخاصة، ومنها المحادثات الهاتفية: وهى تتوقف على طبيعة المحادثة وظروفها؛ وليس بمكانها. الخامس: حرمة الحياة العاطفية والزوجية والأسرية: وهى من صميم الحياة الخاصة التي يجب المحافظة عليها، وتحريم النشر الصحفي فيها؛ لما يمكن أن يسببه النشر الصحفي من تصدع للأسرة، وانهيار البنية الأساسية للمجتمع. السادس: حرمة الحالة الصحية والرعاية الطبية: يحرص القضاء على حماية المرضى بوجه عام، والمشهورين منهم بصفة خاصة، من خلال فرض ستار من السرية على حالتهم الصحية، لما قد يسببه النشر من آلام نفيسة لهم، خاصة المشهورين منهم، مثل الشخصيات العامة، وأهل الفن والرياضة. السابع: حرمة الآراء السياسية للشخص: وهى الآراء غير المعلنة التي أحاطها المشرع بالسرية ومثالها التصويت في الانتخابات تحقيقًا لحرية التعبير. وعلى النقيض من ذلك، فلا يعد من عناصر الحياة الخاصة الانضمام إلى حزب سياسي معين، أو اعتناق أي من الآراء السياسية. الثامن: حرمة الذمة المالية للشخص: حيث يعد الكشف عنها بدون موافقة الشخص انتهاكًا لحرمة حياته الخاصة، مثل نشر حجم معاملاته المالية، مثلاً، أو نشر صورة من الضريبة المفروضة عليه.

كما أن عناصر الحق في الحياة الخاصة المختلف عليها فقهاً وقضاءً:

    العنصر الأول: حرمة المعتقدات الدينية: إذ يجب على كل مصري أن يعتنق دينًا سماويًا، وأن يعلن عن ديانته في كثير من الأحوال. الثانى: حرمة جسم الإنسان: كنشر ما في جسم الفرد من عيوب خِلْقية، أو جروح مادية تُظهره بصورة غير لائقة أو ربما مهينة، أو نشر وقائع الاعتداء المادي عليه دون إذنه؛ فمثل هذه الأمور تسبب آلاماً نفسية بالغة للفرد الذي تناوله النشر بدون وجه حق. الثالث: حرمة الحق في الصورة: تعد الصورة انعكاسا لشخصية صاحبها سواء في مظهرها المادي الجسماني، أم في مظهرها المعنوي، بما تعكسه من مشاعر وأحاسيس ورغبات، حيث لا يمكن حماية الشخص ضد التقاط صورته أو نشرها دون رضائه استناداً إلى حقه في الحياة الخاصة، ففي التقاطها أو نشرها في الصحف أو أي من وسائل الإعلام المختلفة دون إذن صاحبها؛ إخلال بالاحترام الواجب لحقه في الخصوصية. الرابع: حرمة الحق في الاسم: المقصود بالاسم هو معناه الواسع الذي يشمل الاسم الشخصي واللقب الذي يشترك فيه أفراد العائلة. والاسم هو أحد الحقوق اللصيقة بالشخصية، كما هو الحال بالنسبة لحرمة الحياة الخاصة. الخامس: حرمة الحق في الشرف والاعتبار(أو الحق في السمعة): يعد الحق في السمعة عنصراً من عناصر الحق في الحياة الخاصة بصورة نسبية، حيث يكون من ناحية داخل في نطاقها؛ ونكون في هذه الحالة بصدد تعدد جرائم تُطبق حياله الأحكام العامة في قانون العقوبات. السادس: حرمة الحياة المهنية أو الوظيفية للشخص: في هذا العنصر تجب ضرورة التفرقة بحسب مدى صلة المهنة أو الوظيفة بالجمهور وأهميتها بالنسبة للناس. أما إذا كانت من المهن العامة التي يهتم الجمهور بمتابعة أخبارها عادة، مثل رجال السياسة والرياضة والفن.. الخ؛ فإنها تخرج عن نطاق الحق في الحياة الخاصة. السابع: قضاء أوقات الفراغ: يأخذ جانب من الفقه بمعيار موضوعي في تحديد الخصوصية، معتبرًا أن كل ما يدور في مكان عام من قبيل الحياة العامة للشخص حتى لو تعلق النشاط بقضاء أوقات راحته أو فراغه. الثامن: نشر وقائع أصبحت في طي النسيان: وهو يعنى حق الأشخاص في أن يبقى ماضيهم كما هو بعيدًا عن الأذهان مسدل عليه ستار النسيان وبمنأى عن الأضواء، أو أن يكشف ستره أحد.

القيود الواردة على نطاق الحق في الحياة الخاصة

     خصص الباحث في الفصل الثاني من الباب الأول:قيد الرضاء بالنشر، وقيد الحق في الإعلام والنقد الصحفي. فالرضاء بالنشر الصحفي من الحقوق المستقرة فقهاً وقضاءً لصاحب الحق فيه، الذي يملك إما الاستمرار في إضفاء السرية على الأمور التي تدخل في نطاق حياته الخاصة، أو إفشائها، فإذا صدر عنه الإذن بإفشائها سقطت عن هذا الحق حرمته. ويعد مبدأ الرضاء كسبب لإباحة المساس بحرمة الحياة الخاصة خروجاً على القواعد العامة التقليدية في مجال خصائص الحقوق الملازمة لصفة الإنسان، فإن الإرادة يجب ألا تلعب أي دور في هذا المجال. ولكن القضاء والفقه المعاصر ذهب إلى أنه يُحظر تنازل الشخص عن حقه في الخصوصية بصفة نهائية؛ ولكن يجوز أن يكون هذا الحق محلاً لاتفاقات تتعلق بممارسته أو تسمح بالنزول عنه بشرط ألا تتعارض هذه الاتفاقات مع النظام العام أو الآداب.

     وفيما يخص قيد الحق في الإعلام والنقد الصحفي: فإن الخبر الصحفي، كواحد من أهم صور الحق في الإعلام، لا يقوم عادة على الابتكار، وهو مجرد من الطابع الشخصي للصحفي، ويستمد قيمته من طبيعته وموضوعه لا من الشكل الذي يصاغ فيه، ومهمة الصحفي ليست إفراغ طابعه الشخصي في صياغة الخبر؛ بل الإسراع إلى نقله وإذاعته، غير أنّ هذا لا يمنع من صياغته بطريقة مهنية متميزة. والخبر الصحفي في هذا يختلف عن المقال الذي يتميز بإضفاء الطابع الشخصي للصحفي عليه، بما يضيفه من أفكار ونقد ورؤى تجعل المقال يتصف بخصوصية مرتبطة بأسلوب وشخصية كاتبه في إطار السياسة العامة للصحيفة. ومن ثمّ يكون توافر العمد في انتهاك حرمة الغير، وانتفاء حسن النية؛ متوافر في المقال، بشكل أكبر منه في الخبر.

الخطأ الصحفى وبعض تطبيقاته

        تناول الباحث في الفصل الأول من الباب الثاني أهم صور المسئولية المدنية للصحفي، وهى الخطأ الصحفى ..أركانه وأنواعه، متمثلة في انتهاك الحق في الصورة، وانتهاك الحق في الشرف والاعتبار. والخطأ هو: إخلال الصحفي بالتزام قانوني أثناء مزاولته لمهنته، مع إدراكه لهذا الإخلال. ولأنّ الخطأ غير مفترض في جانب الصحفي؛ وإنما يجب على مدعى المسئولية إثباته فلا تنعقد مسئولية الصحفي إلاّ إذا ارتكب خطأ شخصيًا بأن نشر أمورًا تدخل في نطاق الحياة الخاصة للأشخاص. والقانون المدني أقام المسئولية التقطيرية على خطأ واجب الإثبات تارة، وأخرى يكون مفروضًا. والمسئولية القائمة على خطأ واجب الإثبات هي المسئولية عن الأعمال الشخصية؛ وهو الأمر الذي يتحقق في جانب الصحفي. أما المسئولية القائمة على خطأ مفترض فقد تكون مسئولية عن عمل الغير؛ وهو الأمر الذي يتحقق في جانب الصحيفة.

انتهاك الحق في الصورة

     أشار الباحث في الفصل الثاني من الباب الثاني إلى إن انتهاك الحق في الصورة يعد واحداً من صور الخطأ الصحفي الذي يترتب عليه ضرر للغير في واحد من عناصر حياته الخاصة، كما تعد الصورة، أحيانًا، حقاً مستقلاً بذاته إذا تعلقت بحياة الشخص العامة، أي حيث يكون مختلطًا بالجمهور ومتصلاً بهم. فالحالة تصبغ المكان بصبغتها، فالتقاط صورة للشخص في مكان عام، قد تشكل انتهاكاً للخصوصية إذا كان الشخص هو الموضوع الرئيسي للصورة، ولم تكن صورة الشخص عارضة بالنسبة لمجمل الصورة التي التقطتها كاميرا الصحفي للمكان العام.

     وتغيير شخصية الإنسان قد يكون بعرض صورته بشكل مشوَّه، عن طريق حذف أو إضافة بعض أجزاء للصورة الأصلية باستخدام مجموعة من الحيل الفنية لخلق منظر غير حقيقي، وهو ما يسمى بالتغيير المادي للصورة. كذلك تشويه عرض الصورة معنوياً، عن طريق نشرها مثلاً بجوار خبر قد لا يخصه ويسيء لسمعة صاحب الصورة. كما يمكن للصحفي عرض الصورة بشكل ساخر أو هزلي، وهو ما يعرف بالرسم الكاريكاتيري، وهو أمر مشروع في أصله، بيد أن رسم الكاريكاتير قد يصير غير مشروع إذا تجاوز الحدود المعقولة للنقد.

     وهناك حالة أخرى من نشر الصورة في الصحف، هي حالة نشر صور ضحايا الجريمة وغيرها من الكوارث. وذهب جانب من الفقه إلى تأسيس حق الضحية أو ورثته فى عدم نشر صورهم في وسائل الإعلام على فكرة الحق في الخصوصية، إذْ يمثل النشر اعتداء على خصوصية ضحايا الجريمة. وأسس البعض وبحق عدم النشر على فكرة الكرامة الإنسانية، وهى تعنى بصفة عامة حظر كل تصرف لا إنساني في مواجهة الفرد، وهى فكرة أخلاقية قديمة ذات أصول دينية، ومنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وفى الدساتير المتعاقبة.

     ومن صور الخطأ الصحفي كذلك انتهاك الحق في الشرف والاعتبار أو “الحق في السمعة”، ويقصد بت تلك المكانة التي ينالها الشخص في الجماعة، وتتكون من رصيد تصرفاته الموروثة والمكتسبة والتي تتحدد وفقًا لمعيار موضوعي قوامه الرأي العام في المجتمع الذي يعيش فيه لا طبقاً لآراء الشخص عن نفسه، فهو الحق في وجوب توفير حد أدنى من الاحترام لكل شخص. ويقع على الصحفي الالتزام بواجب الحرص والتبصر سواء في جانبه الإيجابي، المتمثل في تحرى الصدق والحقيقة، أم في جانبه السلبي، المتمثل في عدم التعدي على الاحترام الواجب للغير في شرفه واعتباره.

آثـار المسئولية المدنية للصحفي

تناولت الدراسة فيالباب الثالث، دعوى المسئولية الصحفية في فصل أول، ثم التعويض المدني المترتب على هذه المسئولية بنوعيه العيني والنقدي في فصل ثان. فدعوى المسئولية الصحفية هى الوسيلة التي بها يستطيع المضرور الحصول على حقه في التعويض. وسبب الدعوى هو إخلال الصحفي بمصلحة مشروعة، وهى في نطاق البحث انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأشخاص. أما موضوع الدعوى، فهو التعويض عن الأذى الذي لحق المضرور من النشر.

     والمدعى في دعوى المسئولية الصحفية قد يكون شخصاً طبيعياً أو معنوياً، وفى حالة وقوع الاعتداء على الأسرة أو العائلة؛ فإنه لا يجوز لأحد أفرادها رفع الدعوى عنها لعدم تمتع الأسرة بالشخصية الاعتبارية؛ وإنما يحق له طلب التعويض عن الضرر المرتد إذا توافرت شرائطه.

     والمدعى عليه في دعوى المسئولية الصحفية هو الصحفي صاحب العمل، ويعد المسئول الأول عن العمل الماس بخصوصيات الغير. كما يُسأل رئيس التحرير أو المحرر المسئول عن قسم من أقسام الصحيفة مسئولية مباشرة عما يُنشر بها، وهو مسئول مسئولية شخصية إذا ثبت أن النشر الضار كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف. كذلك يُسأل مالك الصحيفة متى ثبت وجود سلطة فعلية له في الإشراف على الصحفي وتوجيهه، وفقًا لحكم المادة 174 مدني، فإذا كان الصحفي مستقلاً، أي غير مستخدَم؛ فيُسأل مالك الصحيفة وفقًا لحكم المادة 163 مدني، لاشتراكه في ارتكاب العمل الصحفي الضار بحرمات الغير، عن طريق تسخير الصحيفة لهذا الصحفي لتكون أداة لنشره. كما يُسأل رئيس الحزب إذا كان قد ألَّف العمل الصحفي أو كان شريكاً فيه، أو تحققت فيه شروط مسئولية المتبوع وفقًا لأحكام المادة 174 مدني.

     وفى سبيل تمكين الصحفي من الدفاع عن نفسه؛ أوضح الباحث الدفوع القانونية التي يمكن له التمسك بها: منها انتفاء أحد أركانها (من خطأ أو ضرر أو علاقة سببية).

     أولاً- دفع المسئولية لانتفاء ركن الخطأ، وهو يتحقق بتوافر عدة حالات، منها:

     (1) دفع المسئولية بدعوى تنفيذ الصحفي لأوامر رؤسائه: أوضح الباحث أن الصحفي ليس موظفًا عامًا، غير أنه قد تنتفي مسئوليته المدنية متى توافرت في حقه شروط المادة 167 مدني التي تنص على أنه: “لا يكون الموظف العام مسئولاً عن عمله الذي أضر بالغير إذا قام به تنفيذًا لأمر صدر إليه من رئيسه، متى كانت إطاعة هذا الأمر واجبة عليه، أو كان يعتقد أنها واجبة عليه، وأثبت أنه كان يعتقد مشروعية العمل الذي وقع منه، وكان اعتقاده مبنيًا على أسباب معقولة، وأنه راعى في عمله جانب الحيطة “. ويؤكد هذا ما نصت عليه المادة 72 من قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 والتي أوجبت “على الصحفي أن يتوخى في سلوكه المهني مبادئ الشرف والأمانة والنزاهة، وأن يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون، والنظام الداخلي للنقابة وآداب المهنة وتقاليدها”. كما نص ميثاق الشرف الصحفي على أنه: “لا يجوز تهديد الصحفي بأي طريقة في سبيل نشر ما يتعارض مع ضميره المهني”. وفى ضوء نص المادة 112 من قانون نقابة الصحفيين التي قررت أنه: “لا يجوز للمؤسسات الصحفية، أو لمالكي الصحف، أو من يمثلونهم، أن يكلفوا المحررين نشر ما يتعرضون بت للمسئولية، بغير أمر كتابي..”، وأن تنفيذ الصحفي لأمر رئيسه الذي ترتب عليه ضررًا للغير لا يوجب مسئوليته، وإنما يوجب مسئولية الآمر.

     (2) دفع المسئولية لتوافر حالة الضرورة أو الإكراه: فإذا بلغ إكراه الصحفي حدًا من الجسامة انعدمت فيه حريته وتعطلت إرادته عن الاختيار انتفت مسئوليته، إذ أنه بانعدام الاختيار ينهار الركن المعنوي للخطأ. أما إذا أدى الإكراه إلى الضغط على إرادة الصحفي بما يهدده بإلحاق ضرر به؛ فالإكراه هنا يفسد إرادته ولا يعدمها، لأنّ إرادته موجودة ولكنها ليست حرة. ففي مثل هذه الأحوال التي لا تنعدم فيها الإرادة؛ يتوافر الخطأ ويراعى القاضي ظروف الإكراه الذي تحمله الصحفي ومداه عند الحكم بالتعويض.

     ثانيًا- دفع المسئولية لانتفاء ركن الضرر: ويعد الضرر الركن الأساسي في المسئولية، واستقر الفقه والقضاء على ضرورة توافر الضرر في مجال الخطأ الصحفي عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة؛ إذْ أن توافر الضرر أمر لازم للحكم بالتعويض. ويشترط في الضرر أن يكون محققًا؛ بأن يكون قد وقع بالفعل، أو أن يكون وقوعه في المستقبل حتماً.

     ثالثًا- دفع المسئولية لانتفاء رابطة السببية: وهى تعنى وجود علاقة مباشرة بين الخطأ الذي ارتكبه الصحفي، والضرر الذي أصاب المضرور، وهى مفترضة قانونًا. ويمكن للصحفي دفع المسئولية لقيام السبب الأجنبي: الذي يتمثل في القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ، وخطأ الغير، وخطأ المضرور. كما يمكن دفع المسئولية لأن السبب غير منتج أو غير مباشر للضرر، ومن ثمّ يوجد خطأ مشترك، وعليه أن يتحمل تبعة خطئه بتحمل الأضرار التي نجمت عن هذا الخطأ.

     رابعًا – دفع المسئولية لشرعية الحصول على المعلومات: وهذا الحق يتفرع من حق الإنسان في المعرفة، فإذا كان للإنسان الحق في الوقوف على مجريات الأمور، فإنه يكون للصحفي من باب أولى الحق في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة باعتباره همزة الوصل بين ما يجرى في العالم بمختلف أنحائه، وبين جمهور القراء. ويعتبر هذا الحق ضمانة مهمة لحرية الصحفي بوجه خاص. وأكد القانون على حق الصحفي في الحفاظ على مصادر معلوماته، وعدم إجباره على التصريح بها، وتحقيقاً لحق الجمهور في المعرفة المفيدة دون تجريح لأحد.

     خامسًا- دفع المسئولية لشرعية النشر: فحرية التعبير والنشر من الحريات التي كفلها الدستور، غير أنها حرية تفقد قيمتها إذا اصطدمت بما للآخرين من حقوق، خاصة حقهم في الحفاظ على حرمة حياتهم الخاصة. غير أن النشر قد يكون مشروعًا رغم المساس بالحياة الخاصة إذا أذِن الشخص بذلك، فيستند الصحفي إلى هذا الرضاء في دفع المسئولية عنه، أي أن النشر صدر في إطار من الشرعية القانونية.

قامت الصحافة مؤخرا بنشر بعض المعلومات المتعلقة بمجلس النواب ، وقبلها قامت بنشر بعض المعلومات المتعلقة بالشخصيات العامة ، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل هل هذا يندرج تحت حق التعبير عن الرأي أو حق الحصول على المعلومة ، أم أن هذا الأمر يعتبر تعدياًعلى خصوصية الآخرين . لذلك نحاول من خلال هذا المقال إيجاد الحدود الفاصلة ما بين الخصوصية والحرية بشكل عام وحرية الصحافة أو النشر بشكل خاص.

أولا: أهمية حرية التعبير بواسطة الصحافة:

تعتبر الصحافة أحد روافد حرية الرأي والتعبير، وتحتل منزلة مهمة في النظام الديمقراطي، فلا قيام للديمقراطية بدون حرية للصحافة، فهي دواء لكل داء، وتقييدها لا يعوق إلا الشرفاء، فإذا كانت الصحافة هي رئة الشعوب تتنفس من خلالها، وتعبر عن فرحها وآلامها، فمن خلال صفحاتها نغضب ونسعد ونعلن عن رضانا أو رفضنا من خلال تحقيق أو مقالة أو دراسة، وتسخر الشعوب من حكوماتها وإدارتها من خلال الكلمة الساخرة، والكاريكاتير الساخر، وكما أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا أكسجين متوافر من حوله كي يتنفس بلا قيود، كذلك الصحافة لا تستطيع أن تعيش بدون حرية التعبير وتحرير إرادة الكلمة من القهر والقمع والخوف فالصحافة ضرورة لا غنى عنها لأي مجتمع ديمقراطي يسعى للتقدم والرخاء والاستقرار، ويهدف ويرنو إلى احتلال مكانة سامية بين دول العالم المتحضر.

وبالرغم من هذا الدور العظيم والمهم لحرية الصحافة في أي نظام ديمقراطي – في العالم – إلا أن هذا لا يعني أنها حرية مطلقة بلا حدود، فالأصل المستقر في الأنظمة الديمقراطية أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة بلا قيد، وإلا انقلبت فوضى وحملت في طياتها البغي والعدوان على كيان الدولة وحريات الآخرين.

فالحرية المطلقة تعني الفوضى، وقد تؤدي إلى العديد من الأضرار والاضطرابات التي تهدد كيان الدولة وبقاءها، كما تهدد الأفراد أيضا في حرياتهم وحقوقهم، لذلك كان لا بد من تنظيمها ووضع ضوابط تكفل في ممارستها حفاظاً عليها وعلى المجتمع وأفراده في آن واحد، نظرا للأهمية الشديدة والبالغة لحق الإنسان في حياته الخاصة حين يخلو إلى نفسه بعيداً عن أعين الناس، ويمارس حياته الخاصة بكل صورها وأشكالها بعيدا عن التقاليد الشائعة أو العادات المستحكمة.

ثانيا: مفهوم الحياة الخاصة أو الحق في الخصوصية:

يأبى الإنسان بطبيعته الاجتماعية الحيّة أن يتدخل أحد في شأن من شؤونه الخاصة، ولكل فرد منا حياته الخاصة التي لا يمكن أن تكون مكشوفة دون محرمات، فالإنسان يعيش مع ذاته أحياناً ويعيش مع أسرته أحياناً أخرى في هدوء وسكينة، ويتوجب على الآخرين احترام هذه الخصوصية، وهذا ما يعبر عنه بالحياة الخاصة للإنسان والتي تشمل أيضاً» الحق في السرية المهنية ، وسرية المراسلات والمحادثات، حرمة المساكن وحرية الاعتقاد والفكر، المسألة العاطفية والعائلية، والروحية والمالية ..الخ «، وهي من المظاهر الاجتماعية الضرورية لكل إنسان. وجزءاً لا يتجزأ من الوجود الإنساني تجب حمايته بكل قوة من التعسف والاعتداء أياً كان الشخص المعتدي وبغض النظر عن المعتدى عليه أو الوسيلة المستعملة في الاعتداء .

ومع التطورات العلمية المذهلة والمتسارعة، أصبح الإنسان عارياً ومكشوفاً، وبات بالإمكان وفي أي وقت تتبع حياة الفرد بكل تفاصيلها، مما دفع العديد من المفكرين وعلماء القانون إلى البحث جدياً عن السبل الكفيلة لحماية الحياة الخاصة للإنسان . وتعد محاولة إيجاد تعريف للحياة الخاصة أمر بالغ الصعوبة حيث يترتب على وضع هذا التعريف قيد شديد على حرية الصحافة في نشر ما يعد من الحياة الخاصة، فضلا عن أنها فكرة مرنة وغير محددة، فالتعريف لا يكون إلا لشئ أو لفكرة ثابتة ومحددة أما الحياة الخاصة فهي فكرة مرنة ومتغيرة ونسبية وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فما يعد من الحياة الخاصة للفرد في الاردن قد لا يكون كذلك في الدولة الأوروبية مثلا، وما يعد من الحياة الخاصة في زمن مضى قد لا يكون كذلك الأن او في المستقبل القريب ، كما ان الحياة الخاصة للمشاهير تختلف عنها بالنسبة للأشخاص العاديين، وتختلف ايضا باختلاف القيم والعادات والتقاليد السائدة في كل المجتمع .

وقد وضع مؤتمر الحق في الحياة الخاصة الذي عقد في جامعية الإسكندرية فيعام 1987 تعريفا للحق في حرمة الحياة الخاصة ، بانه حق الشخص في ان يحترم الغير كل ما يعد من خصوصياته مادية كانت ام معنوية ام تعلقت بحرياته على ان يحدد ذلك بمعيار الشخص العادي وفقا للعادات و التقاليد و النظام القانوني القائم في المجتمع ومبادئ الشريعة الإسلامية

وفي مؤتمر البلاد الاسكندنافية الذي عقد في العاصمة السويدية استكهولوم في غام 1967 ذهب المؤتمر الى ان الحق في الحياة الخاصة يعني حق الفرد في ان يعيش بمنأى عن الافعال التالية:

1. التدخل في حياة اسرته او منزله .

2. التدخل في كيانه البدني او العقلي او حريته الاخلاقية او العقلية .

3. الاعتداء على شرفه او سمعته .

4. وضعه تحت الاضواء الكاذبة .

5. اذاعة وقائع تتصل بحياته الخاصة .

6. استعمال اسمه او صورته .

7. التجسس والتلصص و الملاحقة.

8. التدخل في المراسلات .

9. سوء استخدام المراسلات الخاصة الشفوية او المكتوبة .

10. افشاء المعلومات التي تصل اليه بحكم الثقة المهنية.

و يمكننا القول بان الخصوصية عكس العموم ،وهي تقترب من السر ، ولكن لا ترادفه ، فالسر ما يكتمه الانسان ويخفيه، فهو يفترض الكتمان التام ، اما الخصوصية فقد تقوم رغم عدم السرية ، فقد يكون بينهما تلازم في بعض الاحيان ، وقد يكون لكل منها مجاله المستقل في احيان اخرى، فالإصابة بمرض خطير تعتبر مما يدخل في نطاق السرية والخصوصية ، بحيث يكون افشاؤه اعتداء على السرية والخصوصية معا. اما نشر صورة فوتوغرافية لشخص دون اذنه يعتبر اعتداء على خصوصيه رغم كون صورته لا تدخل في نطاق السرية. فالخصوصية هي حق كل انسان في التعامل مع حياته الخاصة بما يراه، وفي الاحتفاظ بأسراره التي يجب ان لا يطلع عليها الآخرون ، و يستوي ان تنطوي الاسرار و الخصوصيات على رذائل مستهجنة ،او على امور طبيعية تأنف الفطرة السليمة اظهارها كالعلاقة الخاصة بين الازواج ، او حتى على اعمال كريمة مستحسنة قد يفضل اصحابها كتمانها ابتغاء مرضاة الله كالصدقات و اعمال الخير .

وعلى أي حال، وإن كان يصعب تحديد مدلول الحياة الخاصة والإلمام بمعناها إلا أن ذلك لا يمنع أنها تتمتع بالحماية القانونية الكاملة في العديد من التشريعات حتى تظل منأى عن تدخل الغير.

ثالثا : الحماية القانونية للحق في الحياة الخاصة :

1. الاتفاقات الدولية المتعلقة بحماية حرمة الحياة الخاصة:

أ‌. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/ 1948، وقد نصت المادة (12) منه على أن « لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شئون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات».

ب‌. الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية: بتاريخ 16 /9/ 1966 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2200 لسنة 1966 بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية وقد نصت هذه الاتفاقية في المادة (17) منها على: لا يجوز التدخل بشكل تعسفي أو غير قانوني في المسائل الخاصة بأي شخص أو عائلته أو بمسكنه أو بمراسلاته، كما لا يحوز التعرض بشكل غير قانوني لما يمس شرفه وسمعته. لكل شخص الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل أو التعرض))، وقد نصت المادة (46) من الاتفاقية على سريانها اعتباراً من 15 /5/ 1967، وتتمتع هذه الاتفاقية بقوة القانون وسلطانه بالنسبة للدول الموقعة عليها، وقد انضمت الأردن إلى هذه الاتفاقية.ويعني مصطلح «غير مشروعأو غير قانوني» أنه لا يمكن حدوث أي تدخل إلا في الحالات التي ينص عليها القانون. والذي يجب أن يكون متفقا مع أحكام العهد ومراميه وأهدافه.

أي أن التدخل أو «التعرض لتدخل تعسفي» يمكن أن تمتد لتشمل أيضا التدخل المنصوص عليه في القانون،فالتدخل الذي يسمح به القانون يجب أن يكون موافقا لأحكام العهد ومراميه وأهدافه وأن يكون في جميع الحالات، معقولا بالنسبة للظروف المعينة التي يحدث فيها(انظر : تقرير اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية/ الدورة الثانية والثلاثون (1988) الأمم المتحدة )).

وتعتبر الاتفاقيات الدولية مصدرا من مصادر المشروعية في الدولة، بعد التصديق عليها من الجهة المختصة، إذ أنها تصبح بعد التصديق جزاء من التشريع الداخلي، و تلتزم جميع السلطات العامة في الدولة جميعها باحترامها و النزول عند أحكامها، كما لا يستطيع الأفراد الخروج على حكمها، إذا كان في أحكامها ما يخاطب الإفراد، ونحن نجد بان الاتفاقات الدولية المستوفية لمراحلها القانونية تتمتع بمرتبه أعلى من مرتبة القانون العادي، ولها أولوية في التطبيق على القوانين العادية إن كانت تتعارض مع التشريع الداخلي، وذلك لان المادة (27) من اتفاقية فينا المتعلقة بقانون المعاهدات لسنة 1969 حظرت على الطرف الموقع على تلك الاتفاقية التمسك بإحكام قانونه الداخلي كمبرر لعدم تنفيذ معاهدة، و الأردن من الدول الموقعة على تلك الاتفاقية وعليه فان قوة إلزام المعاهدات والاتفاقات تتعدى قوة إلزام القوانين العادية أي إنها في مرتبة أعلى من تلك القوانين.

وقد استقر اجتهاد محكمته التمييز الأردنية على ذلك حيث تقول في احد أحكامها (القضية رقم 2426/1999 الصادر بتاريخ 25/4/2000) ((… تعتبر الاتفاقيات الثنائية أو الدولية واجبة الإلزام ويجب العمل بها وهي اعلي مرتبه في التطبيق من القانون الداخلي في حال تعارضهما…)).

2. حماية الحق في حرمة الحياة الخاصة في الدستور الاردني :

مما لا شك فيه أن حماية الحياة الخاصة في صلب مواد الدستور يعد ضمانة مهمة ودستورية للمواطنين، ويعطي قدسية للحياة الخاصة وسياج لها من أن ينال منها أو يمسها تشريع أو قانون، وذلك عملاً بمبدأ سمو الدساتير وما يترتب عليه من عدم جواز تقييد هذه الحياة الخاصة أو المساس بها بأية وسيلة وإلا كانت غير دستورية. وقد اهتم المشرع الدستوري الأردني اهتماماً بالغاً بالحياة الخاصة وذلك من أول دستور في الأردن، وهو دستور 1928 وحتى الدستور الحالي دستور 1952( لاسيما التعديلات الأخيرة) حيث نص على الأمور التالية:

1. تنص المادة (7) من الدستور على: 1.الحرية الشخصية مصونة 2. كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.

2. تنص المادة (10) من الدستور على: « للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ألا في الأحوال المبينة في القانون، وبالكيفية المنصوص عليها فيه.

3. تنص المادة (14) من الدستور على: تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب.

4. تنص المادة (15) من الدستور على: تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر عن رأيه بحرية القول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون.

5. تنص المادة (18) من الدستور على: تعتبر جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال سرية لا تخضع للمراقبة أو الإطلاع أو التوقيف أو المصادرة إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون.

فالمشرع الدستوري قد أورد في هذه النصوص بعض نماذج الحياة الخاصة، وأوجب حمايتها على سبيل المثال فقط، وليس الحصر، كما أن إيراد هذه الأمثلة في صلب الدستور لا يرجع لكونها أهم من غيرها من صور الحياة الخاصة، وإنما يرجع للحرص الشديد لدى المشرع على حماية وصيانة الحياة الخاصة بكل عناصرها مما جعله يذكر أمثلة لها دون حصر لها. ومن المقرر قانوناً أنه إذا وضع اللفظ لمعنى واحد على سبيل الشمول والاستغراق، غدا منصرفاً إلى جميع أفراده من غير حصر في عدد معين، ومن ثم كان العام دالاً على الشمول والاستغراق ولا يخصص بغير دليل، فإذا خصص العام بغير دليل كان ذلك تأويلاً غير مقبول، ولازم ذلك أن يحمل كل نص تشريعي أفرغ في صيغة عامة على معنى الاستغراق حتى يقوم الدليل جلياً على تخصيصها. الأمر الذي يكون معه هذا النص الدستوري ينطوي على حماية وتقديس حرمة الحياة الخاصة بكل صورها ودون تخصيص.

ويلاحظ ايضا أن الحماية الدستورية لحرمة الحياة الخاصة التي قررتها نصوص الدستور، وكذلك حماية المراسلات والأحاديث الخاصة باختلاف وسائلها وصورها هي حماية لم يسبق لها مثيل من الدساتير الأردنية السابقة فرضتها ظروف التطور التكنولوجي في محال وسائل المراقبة والتصنت على الأحاديث الخاصة وتسجيلها الكترونياً مما أصبح يهدد أسرار الحياة الخاصة وحرمتها بخطر حقيقي إذا لم يستلهم المشرع الدستوري والجنائي روح العصر ويكفل حماية دستورية وجنائية في مواجهة أجهزة الدولة – في المقام الأول – لأنها تملك من الإمكانات والقدرات والأسباب المختلفة ما يسهم اقتحام حرمة الحياة الخاصة، وذلك فضلاً عن مواجهة اعتداء الأفراد على حقوق غيرهم في حرمة الحياة الخاصة.

ليس هذا فحسب بل أن المشرع الدستوري الأردني قد جرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في صلب الدستور حيث نص في المادة (7) منه، وقد قرر المشرع في النص المشار إليه تجريم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وقد جاء النص عاما مطلقاً دون تحديد أو تخصيص وذلك ليشمل كل اعتداء سواء وقع من الأفراد أو من الصحافة أو السلطة على حد سواء. ويعد هذا النص بمثابة سياج واقي ضد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة ليس له مثيل في الدساتير السابقة. ويؤكد هذا النص حرص المشرع الدستوري على صيانة كرامة الفرد وآدميته.

واجد أن المشرع الدستوري الأردني لم يكن بحاجة إلى إيراد تطبيقات الحياة الخاصة في صلب نصوص الدستور خصوصاً وإن ما أورده (حرية المسكن والمراسلات وغيرها) لا تشمل كل عناصر الحياة الخاصة فهناك من خصوصيات المرء ما يفوق أهميته تلك التطبيقات التي أوردها بالنص مثل الأمور المتصلة بالحياة الزوجية والعاطفية والحياة الصحية والصورة. و كان من الأولى بالمشرع الدستوري أن يبرز في نص عام ما لحياة المواطنين الخاصة من حرمة يحميها القانون، ثم يورد ما شاء له أن يورد من عناصر لهذا الحق في صلب النص، وإذا تعذر عليه تعداد كل ما يمكن أن يدخل في نطاق الخصوصية – خشية أن يتورط في إيراد تعريف غير جامع لكل تطبيقات الحق- فإنه كان بإمكانه أن يحيل إلى السلطة التشريعية لإضافة ما يمكن إدراجها ضمن عناصر الحياة الخاصة ومن ثم تخضع للقواعد القانونية المنظمة لها. وبهذه النصوص الدستورية المتقدمة يكون المشرع الأردني قد وفر للحياة الخاصة حماية قوية وفعالة ومؤكدة ضد كل انتهاك واعتداء وهو ما يؤكد بجلاء أهمية الحفاظ على حرمة الحياة الخاصة وصيانتها ومكانتها العالية بين الحقوق والحريات الفردية الأخرى، وأن المشرع لم يتهاون مع أي مساس بها.

3. حماية الحق في حرمة الحياة الخاصة في التشريعات العادية:

أ. القانون المدني: ترتيباً على الأهمية الدستورية لحرمة الحياة الخاصة فقد سارع المشرع المدني الأردني ونص في المادة (48) منه على أن «لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر». وقد جاء هذا النص عاماً وشاملاً لأي اعتداء يقع على أي حق من الحقوق الملازمة للشخصية بما فيها الحق في الحياة الخاصة. وقد أورد هذا النص مبدأ مهماً هو حق من وقع اعتداء على حياته الخاصة في التعويض عما لحقه من ضرر.

ب. قانون الاتصالات: تنص المادة (17) من قانون الاتصالات رقم (13) لسنة 1995 على: كل من نشر أو أشاع مضمون أي إتصال بواسطة شبكة إتصالات عامة أو خاصة أو رسالة هاتفية اطلع عليها بحكم وظيفته أو قام بتسجيلها دون سند قانوني يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن (100) دينار ولا تزيد على (300) دينار أو بكلتا العقوبتين.

ج.قانون العقوبات: عرفت المادة (188) الذم بالقول هو إسناد مادة معينة إلى شخص – ولو في معرض الشك والاستفهام – من شأنها أن تنال من شرفه وكرامته أو تعرضه إلى بغض الناس واحتقارهم سواء أكانت تلك المادة جريمة تستلزم العقاب أم لا. كما عرفت القدح بالقول: هو الاعتداء على كرامة الغير أو شرفه أو اعتباره – ولو في معرض الشك والاستفهام – من دون بيان مادة معينة.

د. قانون المطبوعات و النشر رقم 8 لسنة 1998:

• تنص المادة ( 4) قانون المطبوعات و النشر على: تمارس الصحافة مهمتها بحرية في تقديم الإخبار والمعلومات والتعليقات وتسهم في نشر الفكر والثقافة والعلوم في حدود القانون وفي إطار الحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرية الحياة الخاصة للآخرين وحرمتها.

• تنص المادة(7) قانون المطبوعات و النشر على: آداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها ملزمة للصحفي، وتشمل: أ. احترام الحريات العامة للآخرين وحفظ حقوقهم وعدم المس بحرمة حياتهم الخاصة..)).

وعليه، ومن خلال استقراء النصوص القانونية المتقدمة نجد بان ما يلي :

1. حول المشرع الأردني جاهدا وضع نوع من التوازن ما بين حرية الصحافة و الحق في حماية الحياة الخاصة، فالحياة الخاصةتتمتع بالحماية القانونية الكاملة في العديد من التشريعات حتى تظل منأى عن تدخل الغير وعن العلانية.ليس هذا فحسب بل أن المشرع الدستوري الأردني قد جرم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في صلب الدستور ، وقد جاء النص عاما مطلقاً دون تحديد أو تخصيص وذلك ليشمل كل اعتداء سواء وقع من الأفراد أو من الصحافة أو السلطة على حد سواء. ويعد هذا النص بمثابة سياج واقي ضد الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة ليس له مثيل في الدساتير السابقة. ويؤكد هذا النص حرص المشرع الدستوري على صيانة كرامة الفرد وآدميته. فالنص الدستوري ينطوي على حماية وتقديس حرمة الحياة الخاصة بكل صورها ودون تخصيص.

2. ان الازمة في حرمة الحياة الخاصة لا تكمن في حمايتها دستوريا او قانونيا ، وانما في حمايتها الفعلية من تجاوزات الصحافة من نشر دقائقها وتفاصيلها، لذلكيتوجب على الصحافة ان تحترم هذا الحق وتحرص عليه ، كحرصها على حق التعبير و حق الحصول على المعلومة ، و لا يجوز ان تضحي الصحافة بهذا الحق او تنتقص منه تحت أي ذريعة من الذرائع ، فحرية الصحافة ليست مطلقة، وانما يحدها امران مرتبطان هما: امن المجتمع وسلامته و حرية الافراد وحقوقهم و اعراضهم .

3. ان خوض الصحافة في الحياة الخاصة للأفراد ونشر تفاصيلها لا تهم الراي العام في شيء ولا فائدة او جدوى من نشرها سوى المساس بحقوق الناس ، وكشف عوراتهم ، وانتهاك خصوصيهم ، و ايذاء مشاعرهم ، الامر الذي تعين معه على الصحافة عدم الخوض في هذه التفاصيل دون ضرورة اجتماعية او سياسية او اقتصادية او امنية تستوجب ذلك .

4. ان الحد الفاصل بين حق الفرد في حياته الخاصة ، وحق الجمهور في الاعلام و المعرفة هو مصلحة المجتمع ، ماذا كانت هناك مصلحة للمجتمع من النشر كان النشر اجدر بالرعاية و اولى بالحماية من حق الفرد في حماية حياة الخاصة، اما اذا عدم النشر وحماية الحياة الخاصة لا يتعارض مع مصلحة المجتمع كان عدم النشر الاولى بالرعاية والاجدر بالحماية ، لذلك يجب على الصحفي ان يضع المصلحة العليا للدولة نصب عينيه ، وقبل ان يفكر في نشر ما يمس الاعتداء على الحياة الخاصة للأفراد .

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس