loading

الرواية والقصة القصيرة في افريقيا ما بعد الاستعمار – بقلم : حامد حبيب

حامد حبيب


    تُعَد قارة إفريقيا من القارات الغنية  جداً  باللغات المحلية ، التى تتراوح مابين(٧٠٠-٢٠٠٠) لغة أو أكثر،
وكل لغة منها تُمثّل ثروة ثقافية فى حد ذاتِها ، إلى
 جانب.  وجود   جذور   للغات   الأوربية فى القارة الإفريقية   خلفها   الاستعمار   قبل  رحيله ،  والتى استُخدمَت كلُغاتٍ رسميّةٍ  لبعضِ الدولِ  الأفريقية، ولغات للتعليم فى بعضها  الآخر.. ومع   زحف  هذه اللغات الأجنبية ماتت لُغاتٌ وضعفت أخرى، وبمَوت هذه  اللغات  واندثارها  فقدنا  جزءاً  لايُعوّض  من
 معرفتنا لجزء من التفكير الانسانى فيها.
ونظراً لتعدّد اللغات بدأت القصة فى القارة السوداء بتلك   الحكايات  الشفهية  التقليدية  ذات  الجذور المتعمّقة فى الفولكلور  وأساطير  الأقدمين ، والتى ظلّ الناس يتناقلونها من جيلٍ لجيل ،ورغم أنّ هذا
النوع  من  الأدب  الشفاهى  مازال  موجوداً  بسبب
تعدُّد اللغات  الإفريقية  الدارجة ،إلا أن انتشار اللغةِ الإنجليزية   والفرنسية   بسبب   الوجود    الطويل للاستعمار فيها ، نشأ جيلٌ يجيد لغةَ المستعمِر ، مما ساعد فى انتشار القصة المكتوبة.
واستطاع  جيلٌ  من  الكُتاب  بعد  رحيل  الاستعمار
وقيوده أن ينتفض  ويعبّر  عن قضاياه بحرية أكثر، ولكن  بقيَت  لغتُه  فى  الكتابةِ لغة  المستعمر ، لكنه استخدمها  باعتبارها  الحل  الوحيد  لطرح قضاياه
(فى السنغال _ تنزانيا _ جنوب إفريقيا _ نيجيريا_
بتسوانا…).
وتناولت الرواية والقصة القصيرة _فى أغلبها_قضايا اجتماعية كالفقر والبطالة والتمييز العنصرى،واللجوء للهجرة   اضطرارياً   بحثاً  عن   عمل   للتغلُّب   على مشكلاته.
وقد  كان  ذلك واضحاً فى  رواية “المعاناة Shida”
لمؤلفتها (باليسيديا Balisidya)  من تنزانيا ، وهى أول رواية تتناول قضية البطالة، والتى جسّدت فيها شخصيات
الرواية  مدى   المعاناة  التى  يعانيها   الناس  بسبب البطالة ، ومعاناة البحث عن  العمل ، وركّزت  خاصّةً على القادمين من القرية إلى لمدينة بحثاً عن فرصةِ عمل…وجسّدت شخصية  “تشونيا Chonya ” بطل الرواية نوعية هذا الشباب القادم من القرية للمدينة لهذا الغرض، لكنه يمرّ باخفاقات عديدة ، ورغم  ذلك يُصرّ  على  البحث  عن  عمل ،  فيواجَه  بأنه  لاعمل بلارشوة، وهو لايملك شيئاً حتى  يعطيه ، حتى  أكّد
 له  صديقه “مسافيرى ” : ”  أنه  بلا قميصٍ له  أكمام طويلة” ومعناه أنه لن يحصل على عمل دون تقديم رشوة، ويصبح هو وغيره عاجزين عن وجود فرصة عمل،فيزيد عدد العاطلين ، فتتحول  النساء  لأدوات متعة للرجال ، وينعكس  الرجال فى أوحال الجريمة بين سطو وسلب وإدمانٍ للمخدّرات…أرادت أن تقول أن هذه القضية من القضايا التى يجب أن ينتبه إليها المسئولون  ،  والا تحوّل  هذا   الشباب    لانحرافات أخلاقية  وتكوين  تكتّلات  إجرامية  تضرّ  بالمجتمع ككل وعلى كيان الدولة.
_نفس الحال بالنسبة لرواية”مايأكلك” ل (زينب عبد الوهاب) ، التى  جسّدت فيها  شخصية ” على ” أحد الشباب الذين درسوا فى الخارج  وعادوا  إلى تنزانيا يحدوهم الامل  فى  الحصول على  وظيفة  تمكّنهم من مواجهة أعباء الحياة، لكنه يخرج صباحاً ولايعود إلى  منزله   إلا مع   حلول الظلام ،  دون  جدوى فى الحصول على أى عمل أو ظيفة ، حتى شعر  بإحباطٍ شديد.
_  وفى  رواية “حينما  ينجلى  الليل “ل( مسوكيلى)
  تناوُل  آخر  لنوعية  الشباب  العاطل والباحثين عن عمل ، ونظراً  لزيادة  أعدادهم  وكثرة  ترددهم  على بعض  الأماكن ، كانت  المحلات  والهيئات  الحكومية تعلق إعلاناً مكتوباً:”لايوجد عمل” ..حتى إن “جونزا”
يصف لصديقه موقفاّ لأحد الهنود الذين يملكون أحد
 المشروعات ، حين أراد  ألّا يرهقَ نفسه  فى الإجابة عن المترددين بحثا عن عمل ،فوضع كلباً  على الباب ليتولّى طرد هؤلاء، مما يدل  على  كثرتهم… واضطر هو وصديقه فى النهاية أن يلجأ كلاهما   إلى السطو المسلّح فى الأماكن التى يسكنه  الأثرياء.
_وفى رواية”ظلام فى النور” ل(سعيد أحمد محمد)
التى كتبها فى الثمانينيات ، تناول  لقضية  العاطلين الذى يستغلّ البعض فقرهم وظروفهم فى التهريب، وخاصة البضائع الواردة من الخارج.
_وفى  روايته “الحمّال” تناول  معاناة   الحمّالين فى الميناء،فى بحثهم عن وظيفة،فلم يكن العمل منتظماً
بل يعتمد على الحظ.
*تلك كانت نماذج من الرواية فى تنزانيا ، والنى ربما
جسّدت معاناة قارة بأكملها بخصوص قضايا  العمل..
والفقر ، وماينتج عن ذلك من تغيّرات  عكسية  تلقى
باثارها على المجتمع  سلبياً ، وتقف  عايقاً  ضد  أى تقدُّم..فاستطاعت أن تكشفَ  الصورة  على  حقيقتها
رغبةً فى نهضةٍ حقيقية ،خاصةً بعد رحيل الاستعمار
الذى سلب خيرات   البلاد   وخرّب  بنية  المجتمع  .
_فى السنغال، ابتدع الكاتب الإفريقى  شكلاً  جديداً فى القصة القصيرة،كما فى قصة”سارزان”أى:الرقيب،
 للكاتب  السنغالى المعروف ( بيراجوديوب )  ، حيث
 الاستخدام الرائع للشعر والنثر  معاً.. ففى  قصته أن شخصاً يُدعى”كيتا” بطل القصة ،عاد إلى قريته  بعد غربة دامت خمسة عشر عاما ماين ترحال  من  دولة لأخرى، واكتسب خبرات كبيرة من خلال عمله ،  ولما عاد   لقريته  حاول  تحطيم  كل  مالها  من  خرافات متحدياً كل من يعتقدون فيها ، ويجسّد  ذلك قوله:” كنتُ أعتقد أننا تحرّرنا من هذه  البدائية ، لكنّ شباب قريتنا لايزال مؤمناً بالأحجية والالغاز والضرب فوق الظهور وأطراف الأصابع..أدركت عنديذٍ أننا لم نحقّق شيئاً،وتمنيت لو استطعنا التخلّى عن  هذه  الأساليب
والعادات القديمة”.
فلم يستطع”كيتا”الانتصار على تلك العادات القديمة،
بل رموه بالجنون ، فقال مستسلماً:
أولئك الموتى لن يذهبوا أبدأ
إنهم فى الظلام الذى يجلب الضوء
وفى الظلام الباعث على الغموض
إنهم ليسوا تحت الارض
إنهم فى ارتعاشات الأشجار
فى تاوّهات الاخشاب
فى الماء الجارى
وفى الماء الساكن
إنهم فى الكوخ
فى الزحام
الموتى ليسوا بموتى
لم يذهبوا أبداً
فقد عاد من رحلته يحمل فكراً مستنيراً، لكن حالات العادات  والتقاليد  والخرافات دون تحقيق مايأمله،
فى إشارة إلى تخلُّف العقل الجمعة فى مواجهة  كل جديد، فاستسلم فى النهاية لما هم عليه،لأن موتاهم فى أساطيرهم وخرافاتهم ومعتقداتهم ، فاستسلموا لروح خوتاهم،وصارت لهم قدسية لايجب أن تُخالَف
 لانها واجبة النفاذ لديهم.
وهكذا  استطاعت   الروايةُ  والقصة  القصيرة   فى تنزانيا أن تقوم  بعمل  تنويرى  ضخم  وحراك  قوى
من خلال مابثّته  من  قضايا اجتماعية هامّة ، وقام
أدباء القارة برسالتهم ومازالوا.
إن  الأدب الإفريقي  أدبٌ  عميق المعنى ،وأهم مافى رواياتهم وقصصهم  مايكمن  فى  الحوار  من معانى
هامة.
__________
حامد حبيب_ مصر
—————————-
__[] المؤتمر الأوّل لرابطة المثقفين الأفارقة []____
           * الإبداع الإفريقي المعاصر

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس