loading

المشي على رمال متحركة من ديوان الشاعرة القطرية سميرة عبيد .. ودراسة نقدية بقلم / أيمن دراوشة

أيمن دراوشة

أيمن دراوشة


سميرة عبيد

المشي على رمال متحركة

من ديوان الشاعرة القطرية سميرة عبيد

(شجرة في جذع غيمة)

دلالة قوية ومرآة صادقة تنطوي على أبعاد عميقة ومعانٍ شاملة

بقلم الناقد الأدبي الأردني / أيمن دراوشة

تؤكد نصوص الشاعرة سميرة عبيد في ديوانها الصادر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر – القاهرة 2015 ذلك اليقين النفسي الذي تتوحد في مملكته أقاليم الحواس المختلفة ، حيث تعبر حروف الكلمات حين نحسن وتجود الحدود الحواسية ، وتفترش خارطة السمع واللمس فيتمازج الصوت المطلق مع المحسوس المتجسد.

ما سبق يؤكده الجاحظ في كلام طويل : “…… وكذلك حروف الكلام وأجزاء البيت من الشعر ، تراها متفقة ملمسًا ، ولينة المعاطف سهلة ، وتراها … سهلة ورطبة مواتية.” ( البيان والتبيين 1/67)

ومن هنا نلحظ ان غلبة قراءة نص قراءة أولى لا يبقى على نفسه في قراءة ثانية ، وعلى حسب ذوق القارئ وقدرته المعرفية.

من النصوص التي نالت استحساني من نصوص ديوان الشاعرة سميرة عبيد نص ( المشي على رمال متحركة ) حيث لفتني الإيقاع النغمي بين الأشطر ، وتردده الصوتي وتناسقه اللفظي وارتباطه مع المغزى العام ارتباطًا وثيقًا ، وتواشجه مع الفكرة أو الأفكار ، الأمر ينطبق على الوحدات الأخرى المكونة لنسيج النص كالصور الشعرية والإيماءات الرمزية.

 

 

أمشي كل صباح

في ساعات الفجر

طريق الشمس تمسح

الصحراء

تخبرني عن سماء الربع الخالي المفتوحة

عن أبواب العبور

إن كلمات كهذه ليست كلمات تركب جملة وتنقل معنى غير مباشرٍ فحسب ، بل هي رمز وطاقة شعرية وصورة مصغرة تنطق بكل الدلالات والمعاني التي جمعها العنوان ( المشيُ على رمالٍ متحركة)

الربع الخالي المعروفة بمساحاتها الشاسعة ، والتي تكررت في نصوص أخرى لدى الشاعرة في نفس الديوان ، هي أبواب العبور حيث لا بشر ولا حراس ولا جوازات سفر ولا حتى ضرائب وتفتيش …

هذا العبور يتطلب جرأة ومواجهة المخاطر من وحوش الصحراء المفترسة وزواحفها القاتلة ، ومن العواصف الرهيبة التي من الممكن أن تعصف بالمكان الخالي الهادئ المخيف.

إذن تتحدى الشاعرة التي تحدثت بضمير المتكلم (أنا ) هذه المخاطر لتكون الصحراء هي بوابة العبور للمكان الآخر.

أنا العابرة

في قصيدة قصر السراب

أرى سماء الروح في الحلم تخضر

أرى ندف الرمل في العين تحمر

لا تعنيني الزوابع المتحركة في الرمل

لا تعنيني الزواحف المتربصة في الرمل

تسافر الشاعرة مع الريح أو المغامرة التي لا تخلو من المخاطر ، فالسماء ستخضر ، وندف الرمل سيحمر ، وهذا ذو مدلول وإيحاء جمالي بالتحدي والشجاعة والتفاؤل والأمل.

جربي حظك في الشرود قليلا

حين ترين كيف تسافر الناقة وحيدة

دون حراس حدود

دون جواز سفر

بذكاء مطبق تنوع الشاعرة في استخدام الضمير ، فتنتقل من (الأنا) إلى ضمير المخاطب (أنت) وهو أسلوب متعارف عليه في الشعر العربي ، وهكذا فهذا التنوع للضمائر يقضي على الرتابة والملل لدى القارئ مما بعث الحيوية والنشاط في هذا النص الشعري عالي التكثيف.

وربما تعددت الدلالات للألفاظ التي استخدمتها الشاعرة في نصوص ديوانها حيث يلعب الأداء التصويري عنصرًا هامًّا لدى هذه النصوص.

فالربع الخالي هو الأرض العربية بمن فيها ، ومتحدي الأهوال الحالم المتفائل ، ولسان الوطن الصادق هو الشاعرة ذاتها ، والقافلة هي هذا الشعب العربي.

الناقة من المفردات التي كان لها حضور مميز في النص ، حيث شكلت عنصرًا قويًّا في تشكيل الصورة الكلية داخل النص الفني.

وللناقة بعد رمزي ، باعتبارها تحمل دلالات عميقة ، حيث تبدو لنا في نص الشاعرة رمزًا للإرادة الإنسانية ، واقتحام الأهوال من أجل تحقيق الآمال وكأن الشاعرة تتحدث عن ذاتها ، حتى أصبحت الناقة هي المعادل الموضوعي في النص ، على الرغم من أنَّ الشاعرة لم تذكرها سوى مرة واحدة ، ولم تذكر صفاتها على غرار الشعراء الجاهليين ، وهو توظيف جيد للتعبير عن إرادة قهر الواقع القاسي المحيط بنا جميعًا …

لنجرب حظنا كما تطلب الشاعرة من صديقتها ، حين نرى كيف تسافر الناقة وحيدة دون حراس الحدود ودون جوازات السفر ، إنه واقع مرير في وطننا العربي الكبير…

أخيرًا يتم العبور من قطر إلى الإمارات العربية المتحدة ، ووسيلة التوصيل هي قلب القصيدة.

الفعل في القصيدة تلخيص للواقع ، ومحاولة للتعبير عن استمراره وحركته ، ولهذا كان الفعل المضارع هو السائد ولضرورة فنية ، هو انطباق الفعل المضارع الدال على الحضور والاستمرار على مضمون التجربة التي هي وحدة متوازنة. ، ليصيغ داخل النص معاناة حقيقية تكسر الثابت بالجوهر ، وتصبح انفجارًا داخليًا لا يتوحد إلا في إطار نبرة قوية شملت القصيدة كلها.

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس