loading

دولة الموظف وترويض فخامة المنتخب – بقلم / أ.د.محمد فكري الجزار


محمد فكرى الجزار

محمد فكرى الجزار

قبل أن تقرأ : اي تشابه يرد في ذهن القارئ بين السيد المنتخب أو السيد الموظف وبين أشخاص واقعيين لا يسأل عنه إلا القارئ ، أما الكاتب فكان يتناول فكرة مجردة بل شديدة التجريد ، تنطبق على كل موظف وأي منتخب في كل بلاد الدنيا ، بدءا من شعب بلاد الواق واق ووصولا إلى بلاد يركب شعبها بعضه بعضا ، مع احترامي الكامل والمطلق لهؤلاء وأولئك .

نعم ، هذه هي الحقيقة ، فالدولة المصرية لم تعرف قبل انتخابات السيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” انتخابات حقيقية ، فكل ما كان يجري من قبل ــ بغض النظر عن تجربة انتخابات الجنة والنار ــ أن الرئيس كان يمرر تمديد فترة رئاسته بشكل ما من الأشكال . وبالتالي ، فقد كان الرئيس مجرد موظف كبقية موظفي الدولة يتعامل مع مسئولياته بالمحررات الرسمية كما هو حال تعامل الجهاز الإداري للدولة ، ومن ثم فلم يكن ثمة تناقض على الإطلاق بين الاثنين : الرئيس والدولة . أما الانتخابات الجديدة فقد طرحت مأزق التناقض بين دولة الموظفين وطموح الرئيس المنتخب . إن الموظف روتيني بكل معاني الكلمة ، أما المنتخب فثوري بمعنى ما من المعاني . الموظف يتبع رنامجا موروثا عن أسلافه الذين سبقوه في مكانه ، أما المنتخب فيطرح نفسه ضمن برنامج له أنساق مختلفة لتنفيذه . الموظف يمتلك حلولا قديمة حتى للمشكلات الجديدة ، أما المنتخب فيبتكر حلولا للمشكلات القديمة والجديدة معا .. هنا يكون التناقض سيد الموقف ، ويصبح الصراع ــ وإن كان صراعا صامتا ــ حتميا لا مناص منها ، إنه صراع يفرضه تناقض ماهية الموظف وماهية المنتخب . وحين يكون المنتخب رئيسا للموظف ، فإن الصراع يأخذ شكلا اقرب إلى الترويض ، ترويض الموظف للقيادة الجديدة لحساب الأنساق القديمة التي عاش عليها كل الموظفين من بدء تدوين الدواوين . والإشكال عندما يختار السيد المنتخب من سيقومون على تنفيذ رؤيته أو برنامجه ، فقد يتورط في اختيار موظف يشير تاريخه المهني إلى تدرج طبيعي في مهنته ، مثلا من مهندس إلى رئيس قطاع ، إلى رئيس مجلس إدارة ، دونما طفرات تذكر في سلمه الوظيفي .. يختاره ظانا ــ وهذا ظن يطابق الخطيئة لا الإثم فحسب ــ أنه بجهده ودأبه يمكنه تنفيذ رؤيته ، والموظف لا يرفض منصبا ، ولكنه لا يملك أن يخرج على تاريخه قيد أنملة من جسد فكرة ، وهنا تقع الواقعة ولابد .. يطرح السيد المنتخب جديده ، فيطرح السيد الموظف مشكلات هذا الجديد ، وكل جديد مشكل بالنسبة له ، حتى إذا استيأس المنتخب من تنفيذ جديده طلب العون من الموظف ، فيقدم له ما شب وشاب عليه من طرق تنفيذ عفا عليها الزمن . ومرة فأخرى ، وشيئا فشيئا ، يتم ترويض السيد المنتخب لصالح الأنساق القديمة والأفكار القديمة ، حتى لا يجد أمامه إلا أن يصبح كبير الموظفين في الدولة وإن أتى عن طريق الانتخاب وليس التعيين . وكلما شعر السيد المنتخب بإحباط شعبه لعن شعبه هامسا في نفسه “هما الناس دي عايزين إيه” … ويشعر الشعب بما همس به فيهمس هو أيضا في نفسه : “أهلا أهلا أهلا .. لا شيء يا مولانا ، دامت عليك مدتك المنتخب لها وما أقصرها ، ولكل حادث حديث” .

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس