loading

كيفية تنفيذ مفهوم العدالة الناجزة في مصر – بقلم / الدكتور عادل عامر


عادل عامر

الدكتور / عادل عامر

لا أحد ينكر على الإطلاق أن العدالة الناجزة هي أفضل تطبيق لمفهوم العدالة وأن الإبطاء في تحقيقها هو الظلم عينه لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ويطرح نفسه عند كل حديث عنها هو المسئول عن تحقيقها ناجزه ؟

 إن العمليات الإرهابية التي تشهدها مصر حاليًا تقتضي سرعة إنجاز القضايا المتعلقة بالإرهاب في المحاكم وتطبيق مبدأ العدالة الناجزة، مع ضرورة أن تكون هناك سرعة في إصدار الأحكام ضد المتورطين في قضايا إرهاب كي يكونوا عبرة لكل من يرتكب مثل هذه العمليات الإرهابية

 أن ما قاله الرئيس فى جنازة الشهيد هشام بركات من أن الدولة عازمة على تحقيق العدالة الناجزة هو خير رد على هؤلاء الخونة حلفاء الشياطين، وتنفيذ أحكام القضاء سواء بالإعدام أو الأحكام بالمؤبد لا بد أن يتم تنفيذها وبشكل عاجل، وضرورة تكاتف كافة مؤسسات الدولة ووقوفها صفًا واحدًا في مواجهة الإرهاب.

إن العدالة كل لايتجزأ وهي ملك للإنسانية بأسرها وقد أصبح العالم في الوقت الراهن قرية صغيرة يتأذى ضمير الإنسانية إذا انتهكت العدالة في بقعة منه بل أي مساس بها يعد إخلالاً بالأمن والسلم الدوليين لان الأنظمة التي لاتطبق مبادئ العدالة السليمة أرض خصبة للإرهاب الذي أصبح ظاهرة عالمية ومن ثم فإن العدالة هي مسئولية المجتمع الدولي الذي لابد أن يقوم بواجبه من أجل كفالة تطبيق واحترام مبادئها وحماية استقلال القضاء وحيدته وكفالة حقوق القاضي وحمايته

ولابد إن تبرم المعاهدات نفسها. التي تنظم كل تلك الأمور وأن تولي تلك المعاهدات اهتماماً خاصاً بالقاضي باعتبار انه الحارس الأمين على العدالة على غرار ما فعله المجتمع الدولي فيما يتعلق بحقوق العمال ولاسيما أنه توجد دول كثيرة ليس للقضاة فيها نقابة تدافع عن حقوقهم وترعى مصالحهم ولا يوجد في تلك الدول ما يحمي القضاة من افتئات الأنظمة الحاكمة فيها عليهم ويجب أن تحدد تلك المعاهدات الكم المناسب من القضايا التي يقدر على نظرها والفصل فيها في الجلسة الواحدة والمقابل المادي الذي يحفظ كرامته وحيدته وغير ذلك من الأمور التي تيسر له رسالته العالمية السامية وترفع ما قد يقع عليه من ظلم فكيف يستطيع القاضي أن يرد المظالم إلى أهلها ؟

 ويعجز أن يرفع الظلم عن نفسه .أن ما حدث في سيناء أخيرًا من حوادث إرهابية في أكثر من مكان في نفس الوقت، هو تغيير استراتيجي ونوعي في العمليات الإرهابية من حيث الأسلحة والتقنيات الحديثة، وتفاصيل الحادث تشير إلى وجود دعم فني وعسكري من أطراف خارجية لا تريد لمصر دورًا قويًا في المنطقة،

لذلك فمفهوم الحكم الصالح يرتكز إلي “-

1-    مفهوم الحكم الصالح: يعبر بمفهوم الحكم الصالح عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده وتطوره الاقتصادي والاجتماعي. والحكم مفهوم أوسع من الحكومة لأنه يتضمن بالإضافة إلى عمل أجهزة الدولة الرسمية من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وإدارة عامة، عمل كل من المؤسسات غير الرسمية أو منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى القطاع الخاص.

2-     ويعبر مفهوم الحكم عن إدارة وممارسة السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على مختلف المستويات الإقليمية والمحلية. أي أن هذا المفهوم يدل على الآليات والمؤسسات التي تشترك في صنع القرارات أو في التأثير فيها. ويستخدم مفهوم الحكم الصالح منذ عقدين من الزمن من قبل مؤسسات الأمم المتحدة لإعطاء حكم قيمي على ممارسة السلطة السياسية لإدارة شؤون المجتمع باتجاه تطويري وتنموي وتقدمي.

ومن خلال الحكم الصالح فإن إدارة شؤون المجتمع تتضمن ثلاثة أبعاد مترابطة هي: البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة وشرعية تمثيلها، والبعد التقني المتعلق بعمل الإدارة وكفاءتها والبعد الاقتصادي والاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى حيويته واستقلاله عن الدولة من جهة وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها في المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة من جهة أخرى

وإذا كان النمو الاقتصادي ما هو إلا وسيلة لتحقيق التنمية البشرية المستدامة وليس غاية بحد ذاته.وإذا كان واجب ومسؤوليات الحكم الصالح أن يتأكد من تحقيق المؤشرات المادية والمعنوية لتحسين نوعية الحياة للمواطنين بجميع تفرعاتها وهذا ما أسماه تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 بالتنمية الإنسانية التي تبنى على أسس من توسيع قدرات المواطنين وخياراتهم وإمكانية ممارستهم لحرية الاختيار بعيداً عن الحرمان كما تبنى على التعاون والعدالة في التوزيع والأمان الشخصي الذي يتضمن الحق في الحياة بعيداً عن تهديدات أو أمراض معدية أو قمع أو تهجير الخ… وفي ذلك عرض عدد من الباحثين معايير للحكم الصالح ربما كانت الدراسات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكثرها شمولاً، وتضمنت تسعة معايير من أبرزها:

حكم القانون والشفافية والتوافق والمساواة وخاصة في تكافؤ الفرص والفعالية والمحاسبة والمشاركة التي تعني حق المرأة والرجل بالمساواة أمام القانون. هذا القانون الذي يعني مرجعيته وسيادته على الجميع من دون استثناء انطلاقاً من حقوق الإنسان بشكل أساسي. وهو الإطار الذي ينظم العلاقات بين المواطنين من جهة وبينهم وبين الدولة من جهة ثانية. كما إنه ينظم العلاقات بين مؤسسات الدولة، ويحترم فصل السلطات واستقلالية القضاء وتؤمن هذه القواعد الحقوقية العدالة والمساواة بين المواطنين. الأمر الذي يتطلب من المشرع عند وضعه للقوانين أن تكون متمتعة بالوضوح والشفافية والانسجام في التطبيق.

 أنا على يقين بأن المواجهة الحاسمة التي تقودها قواتنا المسلحة تقف لها بالمرصاد وستكلل جهودها بالنجاح بإذن الله وسيكون لها عظيم الأثر في وضع حلقة النهاية لهذا المسلسل القميء، ولكنني أحب التأكيد على أن تعطش الجماعات الإرهابية للدم وتجارتهم بالدين قد أصابهم بالعمى فتطاولوا على كيان الدولة بعمليات إرهابية غادرة، لكن النصر سيكون حليفنا ودولتنا العريقة ستظل باقية أبد الدهر .

 ونطالب الدولة بالوضع في الاعتبار أننا مقبلون على حدث عالمي مهم وهو افتتاح قناة السويس الجديدة التي بكل تأكيد ستغير وجه التجارة العالمية بالكامل، منوهًا بأن التنظيم الدولي للإخوان يسعى بشتى الطرق نحو إفساد فرحتنا وفرحة العالم بهذا الحدث الدولي الذي يحظى باهتمام من كافة أنحاء العالم، وهو ما يؤكد أن العمليات الإرهابية لن تتوقف في الوقت الحالي ولكن يمكن أن نقول ونكون صرحاء بأن العمليات الأمنية الاستباقية قد تقلل من تلك العمليات ولكنها لن توقفها ولن تقضي عليها بالكامل، وهو ما يضع الدولة بالكامل أمام خيار واحد لا ثاني له وهو التحرك السريع في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق قادة تلك الجماعة الإرهابية، فحينما يرى أعضاء الجماعة أنه لا تهاون مع أحد، فقد يقلل ذلك من عزيمتهم ويصيبهم بالخوف من العقاب المحتوم وهو الإعدام .

أن ما يجرى في سيناء الآن هو حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولكن علينا أيضًا التسليم بمسألة في غاية الأهمية وهي أن الأمن القومي في أثناء الحروب له متطلبات على الجميع أن يحترمها ويلتزم بها، وهنا يقع على الإعلام دور مهم وأساسي في تلك الحرب وهو دور يستوجب على الإعلام والصحافة تحري الدقة وعدم الانسياق وراء ما يردده الإعلام المغرض من مغالطات قد تتسبب في إثارة البلبلة بين الناس وقد تضعف من عزيمة المواطنين الذين يثقون في قواتهم المسلحة ثقة مطلقة ، أنه لا مجال للمصالحة مع الإخوان، لأنه لا عهد لخائن سمح لأعداء الوطن بأن يمدوه بالسلاح ليقتل به أبرياء لا ذنب لهم، ولا مصالحة مع خائن باع وطنه من أجل حفنة دولارات مغموسة في دماء أبناء بلده، مشددًا على أن الحل الأمثل للأزمة الراهنة يتمثل في القانون .

أهو القاضي أم الدولة ؟ أم أن كليهما شريك في تحقيقها وإذا كان كلاهما شريك في تحقيقها فهل يؤدي كل منهما دوره الملقى على عاتقه على الوجه الأكمل ؟

إنه مما لا شك فيه أن القاضي هو حجر الأساس الذي يقوم عليه بنيان العدالة فهو الذي يبعثها من العدم إلى الوجود ويخرجها من الظلام إلى النور ويحفزها من السكون إلى الحراك وهو لكي يفعل ذلك لابد له من أدوات مادية يستعين بها في أداء رسالته ولابد له من نظم ملائمة تزيل ما يعترض طريقه من عقبات وتيسر له الوصول إلى أفضل أداء فهو ليس إلهاً يقول للشيء كن فيكون .

كما أنه ليس من الملائكة المقربين أو له قدرات كتلك التي جُبل عليها الجن والشياطين وهو ليس من المرسلين الذين يتنزل عليهم الروح الأمين لكنه بشر لايتحمل أكثر مما يطيقه البشر لايفعل المعجزات أو يأتي بالكرامات ولا يمكن له بحال من الأحوال أن يحقق العدالة الناجزة دون أن توفر له الدولة الأدوات اللازمة والنظم الملائمة لتحقيقها .

فالقاضي ليس هو المسئول عن بناء المحاكم وتجهيزها وتعيين الموظفين الذين يعاونونه في أداء رسالته وتدريبهم كما أنه ليس هو المسئول عن وضع النظم التي تكفل جودة الأداء في جهاز العدالة وسرعته وتكفل التناسب بين عدد القضايا المطلوب إنجاز الفصل فيها في الزمن المحدد بما يضمن الارتقاء بالعمل القضائي إلى أقصى مستويات الجودة والاتقان ويحصن القاضي من الزلل والخطأ بل أن الدولة هي المسئول الأوحد عن توفير الأدوات اللازمة والنظم الملائمة لتحقيق العدالة الناجزة ولو استطردنا في سرد ما ينبغي على الدولة توفيره منها ،لايستلزم ذلك جهداً كبيراً في إحصائه وعناء من القارئ في الإلمام به لكن حسبنا ما نقدمه ونركن إليه للوقوف على أهم المشكلات التي تواجه القاضي في سبيل أداء رسالته :-

فإذا كانت الدولة قد قامت ببناء وتحديث عدد من المحاكم فإنه لايزال عدد المحاكم التي تدير الدولة من خلاله السلطة القضائية عن طريق القضاة لايتناسب البته مع الزيادة المضطردة في عدد القضايا بسبب الزيادة السكانية المتنامية بمعدلات كبيرة وغير ذلك من العوامل التي نذكرها فيما بعد كما أن كثيراً من تلك المحاكم لايزال بحالة يرثى لها لاتصلح أن تكون بيوتاً للعدالة تليق بدولة عريقة كمصر ناهيك عن عجز النظم المتبعة في إدارة تلك المحاكم عن القضاء على البيروقراطية وعلى طرق الإدارة القديمة التي لم تعد سارية إلا عندنا وإحلال طرق الإدارة الحديثة محلها بما يضمن منع التلاعب في شئون القضاء وسد الثغرات إمام المتلاعبين .

وإذا كان عدد المحاكم وعتادها لايتناسب مع الزيادة المضطردة في عدد القضايا المطلوب انجاز الفصل فيها فإن عدد القضاة الذين يديرون السلطة القضائية في الدولة لايتناسب أيضاً مع الكم الهائل من القضايا والذي تتكدس به المحاكمة كل يوم بل أن الدولة بما استحدثته في قوانين جديدة وبما قامت به من تعديلات في القوانين القائمة وبما تصدره المحكمة الدستورية العليا كل يوم من إحكام بعدم دستورية الكثير من مواد القانون تشكل عبئاً متزايداً على القاضي بما تتسبب فيه من زيادة هائلة في عدد القضايا المطروحة على القضاء يقف سواءً بسواء مع الزيادة الناجمة عن الزيادة السكانية ويلقي بالقاضي في خضم رهيب من التيه يكاد يتحسس طريقه في ظلام دامس ويمزق نفسه بين عمل لايجد الوقت الكافي لإنجازه ،وبين تلك المتغيرات المستحدثة التي ينبغي أن يحيط بها علماً والدولة التي لم تأخذ في حساباتها كل تلك الأمور وهي تحدث كل تلك المتغيرات تقف موقف المتفرج ولا تمد يد العون إلى القاضي وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو من بعيد .

وليس الأمر كذلك فحسب بل أن الطين يزداد بله إذا علمت أن الدولة تنحرف بمسلكها حين تتعامل مع المواطنين لتخرج عن إحكام القانون والدستور فتارة تمتنع إعمال نصوصها وتارة تتعنت في تنفيذ ما يصدره القضاء من إحكام واجبة النفاذ وكثيراً ما يقوم عمالها بجباية ما ليس مستحقاً من ضرائب و رسوم بالمخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها وغير ذلك من صور سلوكها التي أصبحت معتادة للكافة غير خافية على أحد فيضطر أصحاب الحقوق والمظالم إلى مقاضاتها بإقامة دعاوي أمام القضاء يختصمونها فيها بما يشكل عبئاً جديداً كان القضاء في غنى عنه لو أن الدولة تلتزم في مسلكها بما يفرضه عليها واجبها تجاه مواطنيها من إنزال صحيح القانون على تعاملاتها معهم وكفالة احترام إحكام القضاء الواجبة التنفيذ .

وكثيراً ما يلجأ المواطنون لتوثيق تصرفاتهم لاسيما الت يكون محلها حقوقاً عينية عقارية إلى القضاء تهرباً من الرسوم الباهظة التي تفرضها قوانين الشهر والتوثيق فيستغلون القضاء للوصول إلى مآربهم بإقامة دعاوي كدعاوي صحة التوقيع وصحة التعاقد وهم بذلك على الأقل يضفون قدراً من الرسمية على محرراتهم العرفية بإفراغ مضمونها في أحكام قضائية تقيهم مغبة الإجراءات المعقدة والرسوم الباهظة التي تفرضها عليهم قوانين الشهر والتوثيق وهذه الدعاوي لاتشكل منازعات حقيقة وهي من الكثرة بما يشغل القضاء عن أداء وظيفته السامية في فض المنازعات بين الناس بما يحفظ الأمن والسلامة والطمأنينة بينهم ، وعلى الرغم من أن الدولة تعلم ذلك المسلك من المواطنين للتهرب من إجراءات ورسوم الشهر والتوثيق إلا أنها تتمسك بالقوانين التي تنص عليها بل وتعض عليها بالنواجذ فلا هي تقوم بإلغائها أو بتعديلها على النحو الذي يمنع استخدام القضاء كوسيلة للتهرب منها ويثقل كاهله بسيل من الدعاوي لا ينقطع ولا هي تقدم العون إليه لكي يقوم بانجازها .

ولا ينتهي الحديث عند هذا الحد فبالإضافة إلى ما تقدم فإن الدولة لانتهج سياسة عادلة في توزيع ذلك الكم الضخم من القضايا على قضائها العاملين في حقل العدالة فقد فاجأتنا بقانون جديد يوسع من اختصاص المحاكم الجزئية التي يتكون تشكيلها من قاض واحد قيمياً ونوعياً وذلك على حساب المحاكم الكلية التي يتكون تشكيلها من ثلاثة قضاه من باب أن الواحد يعدل الثلاثة وأن ما لايقدر الثلاثة على فعله ينجزه الواحد بمفرده فضلاً عن سوء توزيع القضايا بين الدوائر العاملة بعضها البعض كماً وكيفاً وهذا لايمكن أن يتخيله عقل فهل يستطيع أن يعمل طبيب في كل فروع الطب ؟ وهل يستطيع أن يبحث عالم في كل فروع العلم؟ إلا إذا عدنا إلى عصر الفلاسفة وإذا قبلنا ذلك فهل يجد القاضي الوقت الكافي ليكون فيلسوفاً قاضياً ؟

    إن الدولة تتنصل من مسئوليتها في انجاز العدالة وتلقي بها كاملة على عاتق القضاة ويطلب القائمون على رسم السياسة القضائية من القاضي افصل في قضايا يقدر عددها بالمئات والألوف في الجلسة الواحدة بما يفوق ما يفصل فيه القاضي في أي دولة من الدول إضعافا كثيرة بل أنهم يحاسبونه حساباً شديداً إذا مرض أو قرعت بابه ظروف طارئة حالت بينه وبين انجاز الكم الذي يرضون عنه والذي يفوق طاقات البشر .

وهي لاتهتم بما إذا كان ارتفاع الكم يأتي على حساب الكيف أم لا ؟ بل إنها لاتسأل كيف للقاضي أن ينجز عملاً كهذا يفصل في المئات والألوف من القضايا المطالب بالفصل فيها في زمن لايكاد يكفي للفصل في عدة قضايا ويكون عمله على أكمل وجهمن الدقة والاتقان تماماً كما يفعل الرجل يعطي زوجته بضعة جنيهات ويذهب إلى عمله ثم يعود ليجدها قد أعدت له ما لذ وطاب من أفخم واغلي أنواع الأطعمة التي يُقدر ثمنها بمئات الجنيهات فيأكل ولا يسأل زوجته كيف أتت بالمال الذي اشترت به ذلك الطعام من حلال أم من حرام ؟

وعلى الرغم من أن القياس بين الدولة التي لايعنيها سوى الفصل في أكبر كم من القضايا دون النظر إلى صحة ما يصدر من أحكام وبين الرجل الذي ينشغل بالتهام الطعام الذي اشترته زوجته من مال لايعلم مصدره عن السؤال عن كيفية حصولها على ذلك المال قياس مع الفارق إلا أن أهم أوجه الشبه بينهما هو أن كلاً منهما يقبل احتمال وقوع الخطأ في سبيل تحقيق غاية ضررها اكبر من نفعها فالدولة تقبل احتمال صدور إحكام خاطئة في سبيل تحقيق أعلى نسبة للفصل في القضايا بأي شكل كان والرجل يقبل احتمال حصول زوجته على المال الذي اشترت به الطعام عن طريق غير مشروع مقابل ما يحصل عليه من لذة أكل ذلك الطعام ،وخسارة المجتمع في المثالين فادحة لكن خسارته أفدح بكثير في إهدار الدولة للعدالة بهذا الشكل وتسييس القضاء وفقاً لمبادئ ميكافيلية تنتهج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ولاشك أن الخاسر الأول هو المواطن الذي ضاعت حقوقه ضحية تحقيق عدالة الكم على حساب عدالة الكيف التي تتخذها الدولة ذريعة للتدخل في شئون القضاء .

وإذا كانت الدولة تلقي بتبعة تراجع معدلات التنمية وغلاء الأسعار وتراجع سعر صرف الجنية المصري بالمقارنة بالعملات الأجنبية الأخرى وغير ذلك من المشكلات على ارتفاع معدلات الزيادة السكانية لتبرئ ساحتها أمام الشعب وتنفها عنها إي اتهام بالتقصير إلا أن تلك الحجة داحضة إذا استخدمتها الدولة للتنصل من مسئوليتها في تحقيق العدالة الناجزة فمن ناحية هناك دول كثيرة يفوق عددها سكانها عدد سكان مصر

إلا إن تلك الدولة لاتتكدس محاكمها بالقضايا ولا يتحمل قضائها نصف ما يتحمله القاضي المصري من عناء في العمل وتردي في أحوال المعيشة لأنها أمدت جهاز العدالة فيها بالأدوات اللازمة والنظم الملائمة لانجاز العدالة ،ومن ناحية أخرى فإن العدل هو أساس الملك وناموس الحكم في الدولة فالإخلال بمقتضيات العدالة فيها هو أول  مسمار يدق في نعشها ويؤدي لانهيارها وقد يستغرق ذلك الانهيار وقتاً يطول أو يقصر تبعاً لمدى الإخلال الحادث فيها وقد يحتاج الصامتون بعض الوقت كي يتكلموا مثل مايحتاج الماء من وقت لكي يصل إلى درجة الغليان .

إن الدولة تطبق الديمقراطية من جانب واحد فهي تترك من يريد التعبير عن راية يقول مايشاء وفي المقابل تصم اذنيها عن سماع مايقول ونعلم أن لها إذن من طين وأخرى من عجين وهي إن أرادت أن تستشير أحدا في مشكلة تتعلق بالصحة فقد تسأل مهندساً للري كذلك فإنها تستشير كل من ليس له صلة بالقضاء في حل مشاكله وذلك إن أدركت أن هناك مشاكل ينبغي إن تتصدى لحلها وهؤلاء الذين تستشيرهم في كل الأمور هم فقط في نظرها العارفون بكل شئ الذين يعلمون ما لا تعلمه ويرون ما لا نراه فإذا كانت الدولة لا تريد أن تسمع من أحد فإني اترك الأمر إلى الشعب ليقول كلمته التي لا يقدر أن يردها أحد فهو صاحب المصلحة الأولى في تحقيق العدالة الناجزة .

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس