loading

لعبة البطيخ – قصّة بقلم : محمد عارف مشّه

محمد عارف مشّه


تجمّع الأطفال في أزقة المخيم يستقبلون شهر رمضان ، يثقّبون البطيخ ثقوبا صغيرة ، ثم يركضون نحو دكان ( الحاج خليل ) ، يشترون شموعا يثبتونها في قعر البطيخة ، ثم يلوحون  بها في الهواء معا في وقت واحد ، فتظهر لوحات فنية ، ترافقها أغاني الأطفال الراكضين في أزقة وشوارع المخيم .
أصوات ( قرقعة ) الصحون والطناجر بدأت تعلو منطلقة من النوافذ الخشبية الواطئة استعدادا للسحور الأول ، بينما انطلق الرجال لأداء صلاة التراويح رجالا وشبابا وأطفالا  .
زعيق أم أحمد  التي أزعجتها  أغانينا ، كانت كفيلة بأن تسكت رجالات الحارة أيضا ، صمتنا  حين اقتربنا من بيتها ، حاول أحمد إخفاء البطيخة التي كان يحملها خلف ظهره . لكنها سرعان ما اكتشفت جريمته بعينيها الثاقبتين ، فعرف أن الطامّة ستقع على رأسه في أول ليلة رمضانية أو ربما ليلته الرمضانية الأخيرة  .
جمع أحمد رعبه من أمه . طأطأ برأسه خجلا . اتجه نحوها. تعلّقت أنظارنا نحو أحمد بصمت ، أخافتنا زعقة أم أحمد الثانية  كي يسرع أحمد في ركضه  . تجمّدنا في أماكننا . فكانت زعقتها الثالثة كفيلة  بأن نلقي بالبطيخ أرضا ، ونولي هاربين يصطدم كل منا بالأخر .
( 2 )
 حين أكبرُ حين أصبحٌ طفلا
ـــــــــــــــــــــــــ
لا أذكر كم مضى لي من العمر، ولم أكن أحسب الوقت ، إلا حين علمتُ أن أبي رحمه الله ، والذي غاب عاما دراسيا كاملا ، سوف يعود يوم الأثنين من غربته ،وأحسبُ اللحظات شهورا متهللا فرحا بهدايا أبي .
صحوتُ في الساعة العاشرة من صباح يوم الاثنين ، كان الجو صيفيا شديد الحرارة ، فوجدتُ الحزن والخوف يهيمن على افراد أسرتي ، فأصابني خوف وهلع ، أن يكون ابي قد أجل عودته يوما أو يومين .
اقتربتُ من أمي رحمها الله ، ارتميت في حضنها فزعا . قبّلت رأسي وضمتني لصدرها ، فاستمعتُ لدقات قلبها الدافئة كبركان يغلي .
سهوتُ في نومي قليلا ، او خيّل لي ، ثم نظرتُ لعيني امي . سألتها متى سيصل أبي ؟
ذرفت أمي دمعة من عينها ، وقبّلتني ثانية . شعرتُ بخوف أكبر . أعدت السؤال ثانية  ، فقالت بحركة من  رأسها : أخرج والعب في الحوش ، وإياك أن تعبث بشجرة الياسمين .
ــ حاضر قلتُ ،وبي رغبة اكبر من البكاء ، خوفا من شيء مجهول قادم …
ناكفتُ الدجاجات قليلا . طاردتُ الديك . لعبتُ مع الأرانب ، والوقت لا يجيء بأبي ، فعدتُ نحو أمي وسألت : متى سيجيئ أبي يا أمي ؟
ــ علمه عند الله . أجابت باقتضاب. لم افهم ما كانت تعنيه بكلامها . وأضافت : اذهب والعب في الحوش . فقلتُ بشيء من القلق والضيق ، هل أذهب وألعب مع سميرة بنت الجيران ؟
ــ لا قالت بحدة وخوف واضافت : الدنيا حرب .
لم افهم ولكني سألت : هل سيتأخر أبي ؟
سمعتُ صوت منبه سيارة قرب باب بيتنا . رأيتُ الفرح في عيني
أمي وهي تقول : جاء أبوك .
خرجتُ فرحا . وصلتُ باب البيت . فكانت سيارة سوداء اللون ، نزل منها أبي . ركضتُ نحوه . قبّلت يده . حملني إلى الأعلى . عانقني . قبّلني . لوّح بي في الهواء والتقطني . أعادني إلى الأرض . صافح امي . عانق أخي الكبير . دخل . ركضتُ إلى صندوق السيارة السوداء . حملتُ حقيبة صغيرة . دخلتُ بها فرحا . التقطها أبي مني ، جلسنا فرحين ، وراحت أمي تعد لنا أمي طعام الغداء . طلبت مني أمي الذهاب إلى الدكان ، كي أشتري من الدكان ملحا . خرجتُ . فوجدت السوق مغلقا . وهناك رجال يرتدون قبعات من حديد. خفتُ . عدتُ إلى البيت . وصلت أمي . طائرات في السماء بعيدة ، تسقط أشياء يشتعل بها نار ، اخبرتُ أمي بما رأيتُ فقالت لا تخف ، احتضنتني . دمعت عيناها ، بكيتُ  .

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس