loading

هموم وتطلعات في ديوان”إضاءات على ظليل العتمة”

Digital Camera


 

Digital Camera

هموم وتطلعات في ديوان”إضاءات على ظليل العتمة”

للشاعر عبد القادر برطويس

قراءة وتقديم : لحسن ملواني

1 ـ عنوان  الديوان:

     من المعلوم أن العنوان من العتبات الممهدة لتلقي فحوى النص والانخراط في التواصل مع المضامين و العوالم التي يرسمها شعرا كان أو سردا ، فهو بذلك عنصر فعّال في إثارة شهية القارئ من جهة ، وهو عنصر مساعد في رسم اتجاه النص أو النصوص التي يمثلها من جهة أخرى.”والكُتَّاب في صناعة وابتكار العنوان على مستويات وأنماط عديدة، تتبايَن وتختلف، وربما كانت العناوين كاشفاتِ الظنون لمن لم يدْرِ من صاحب الكتاب! فترى مثلًا من الكُتَّاب من يختار العنوان اليسير السهل الكاشف، وبَدَهِيٌ أن يكون النص المنسدل تحت مظلَّته من صيغته، حتى ولو وُصِف من قِبَل النُّقَّاد بالسطحية والمباشرة، فذلك في الكتابة ديدنه، والناس أهواء وأذواق.

ومنهم من يختار العنوان المعبِّر بمهارة عالية، يحار فيه من ليس له أرض راسخة من فضل اكتساب العلم والثقافة أو التعرُّف على نمطية هذا الكاتب في سياق عناوين أعماله، ومنهم من يكون بين هذا وذاك، أو كما يقولون: المعتدل، لا إلى الفلسفية العالية يميل، ولا إلى السطحية المباشرة يقيل.(انظر مقال  “بوابة النص” ، محمد صادق عبدالعال ،الألوكة الادبية واللغوية بتاريخ: 18/2/2018   ) ،والحال أن عنوان ديوان عبد القادر برطويس عنوان يتشاكل مع معطيات الديوان بدءا من لوحة الغلاف إلى الإهداء فالقصائد. وقد جاء عنوان الديوان مركبا من أربع كلمات هي :

ـ إضاءات ، و مفردها إضاءة وتعني الإنارة (أضاء البيت :إنارته)و إضاءة الأَذهان : تنويرها بالمعرفة .

ـ على : حرف جر يفيد الاستعلاء والاستدراك والمصاحبة والظرفية…

ـ ظليل : مكان ظليل :كثير الظل ، والمصباح الظليل :المحاط بقبَّعة من ثوب ملون وغيره يكثف ضوءه فيما حوله.

ـ العتمة :وعتمة الليل :ظلام أوله بعد زوال نور الشفق ، أو الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق.

العنوان بهذه التركيبة يحمل كلمات تحيل على تناقض وتضاد بين الإضاءة المفيدة للإنارة والتنوير ، وبين العتمة التي لها علاقة بالظلام .

وقد جاء غلاف الديوان بملمح جمالي يترجم هذا العنوان عبر لوحة جميلة معبرة تحمل وجها من وجوه الطبيعة وتتقاسم فضاءها ألوان تميل إلى الصفاء الجزئي وكأنها تزحف رويدا رويدا كي تمسح عن وجه الطبيعة هذا الظلام قبل حلكته وقتامته.

وللإشارة فخير العناوين العناوين التي تكون لها علاقة تلاحمية وترابطية عميقة بالمتن الذي يحمله الديوان ، وانطلاقا من هذه الحيثية فعنوان الديوان بؤرة تحوم حولها دلالات القصائد مترجمة إياها بصيغ مختلفة باختلاف عناوينها . والحال أن عناوين القصائد الواردة في الديوان توحي بكثير من الدلالة التي يحيل عليها العنوان ولنتأمل عناوين قصائد مشيرين إلى دلالتها لغويا كالتالي:

ـ “أوبة” : و”أوبة” تعني الرجوع ، وقد يكون هذا الرجوع من سفر أو رحلة أو عمل أو رجوعا عن معصية ـو رجوعا إلى الله بعد موته قال تعالى” إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ” .

ـ “مساء الورد” : والمساء : زمانٌ يمتد من الظهر إلى المغرب ، أَو إِلى نصف الليل ، والمساء يقابل الصباح ، وعادة نقول صباح الفل وصباح الورد بدل مساء الورد.

ـ “غرور” : ويقصد به مَا يَخْدَعُ وَيَغَرُّ الإِنْسَانَ أَوْ يُسَبِّبُ انْخِدَاعَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شَهْوَةٍ.

ـ “عين” : وهي كثيرة المعاني فهي عضو الإبصار للإنسان وغيره من الحيوان ، وهي طليعة الجيش ، وكبير القوم وشريفهم ، والجاسوس ، وذات الشيء ونفسه ،وأهل الدار ، وينبوع الماء…

ـ “قبل الأوان” : و قَبْل فوات الأوانقَبْل أن يُصبح من المتعذَّر تدارُك الأمر

ـ “إذا سقطت الصومعة “: وتحيل غلى احتمالات ما يمكن فعله إن سقطت ، وهي احتمالات تحمل الكثير من الآلام والحزن على اعتبار قداسة الصومعة ارتباطا بالمسجد.

ـ “العليلة “: عنوان لا يخلو من دلالات متناقضة فالعليلة قد يقصد بها المريضة ،وامرأة عليلية نعني بها المُعَطَّرَةٌ بِالعِطْرِ الطَّيِّبِ ،والهواء العليل هو النسيم الرقيق اللين اللطيف المنعش.

ونلاحظ بعد استعراض هذه العناوين أن عنوان الديوان متشابك ومترابط بها ترابطا يبدو وثيقا من حيث الدلالة والإيحاءات وسيبدو ذلك في فحوى القصائد التي يضمها الديوان.

2 ـ قراءة عابرة لبعض قصائد الديوان :

بين دفتي الديوان 17 قصيدة مختلفة التيمات إلا أن جلها يتماثل من حيث تصوير رهيف للمشاعر ضمن إيقاعات سريعة وكأنها تحيل على انْشِداد الشاعر بلحظات الإلهام التي تمسك به فلا يغادر حتى يأتي على نهاية القصيدة ، مما أفضى إلى قصائد ناطقة بشكلها ومضمونها حاملة إلى القارئ فضاءات متنوعة يكتنفها الحزن والبحث عن الذات والانعتاق ، وتشعر وأنت تقرأها بقربها إلى عمق الواقع والنفس ، وتذكرنا بالقصائد الزجلية الملقاة على الجماهير في لقاءات ومهرجانات خاصة بالثقافة الشعبية .وفي مقالنا سنشير إلى بعض موضوعات وهموم قصائد من الديوان.

يقول الشاعر في قصيدة “غرور” ص (9)

يا نزيلا بالدار تبغي حكمها

لا تشتري الوهم لست مقيم

مت كل من حل بدارنا نال المنى

ولا كل من أفتى بالقول حكيم

ولا كل من سلك الطريق عليم

قد تعظيم اليوم حلو طعمها

وغدا نلقاك على السبيل رجيم

القصيدة تحمل نفحة روحية، وهي تدعو إلى الزهد في الدنيا باعتبارها جسر عبور فحسب ، وهو بذلك يذكرنا بقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

إنَّما الدُّنيا فَنَاءٌ             ليس للدنيا ثبوت

نسجتهُ العنكبوت           إِنّما الدُّنيا كَبَيْت
وَلَقَدْ يَكْفِيكَ مِنْهَا         أيها الطالب قوت
و لعمري عن قليلٍ      كُلُّ من فيها يموت.

وفي القصيدة اشتغال على فكرة واحدة توضح و تؤكد فحواها الأبيات الموالية وكأنها أمثلة وبراهين على كون الدنيا فترة قصيرة لا تستحق اعتناقها اعتناقا ينسينا الآخرة وما تتطلبه من أعمال الخير للفوز بها.

هنا نقع ونحن نقرأ القصيدة في أجواء صوفية تدعو إلى الترفع عن مزالق الدنيا واضعين في اعتبارنا زوالها المحتوم ، وقريبا من هذه الحيثيات نجد الشاعر يشير إلى أهمية التوبة والإنابة إلى الله تعالى ، يقول في قصيدة ” أوبة” ص(7)

متى عاص آبت نفسه

هش لحسن توبتها الغرير

وذي نفسي نفسُ سقيم

بالجنان أن.. يكون جدير

مناي منى كل امرئ

غره بالرب الغرور.

بهذا النفس التأنيبي الحامل للندم والأسف العميق يقدم الشاعر بعض قصائده ليشير إلى مواجعه الخاصة بذم البعد عن الاستقامة والصلاح .وهو بذلك يسمو بنفسه عن الدنايا والسفاسف ، يقول في قصيدة ” مساء الورد”(8)

سموت بأخلاق عن فلاة

دثر بذرات رملها الزمن

أشذب ما علق من درن

حتى أن وُسَيْخة أعجبتني

فركلت أهدابها بحنان..

ونجد ذات الموضوع في قصيدة عي ص(10)

صامت عيوني

عن رؤية الجمال

والجميل منبوذا

بارزه الذبال(…)

القلب يداري

كل نقيصة

وعيني الخطاءة

 تبغي الوصال..

وعموما فديوان الشاعر عبد القادر برطويس يحمل هموما اجتماعية بتناقضاتها وبآمالها وطموحاتها ،وبأسئلتها اللا متناهية ،ومما يلفت القارئ للديوان ميل كثير من قصائده على الأسلوب القصصي بأحداثه واوصافه ،مما يجعلك وكانك تقرأ قصصا بأسلوب شعري ، نجد ذلك في قصيدة “قبل الأوان” وقصيدة ” لحظة” و قصيدة ” إذا سقطت الصومعة” وقصيدة ” ملكية خاصة”.

قصائد الديوان لا يدرك فحواها بقراءة أولية ، بل تحتاج إلى  اكثر من قراءة وبتركيز يجعلك تستطيع القبض على المعاني المبثوثة في رحابها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هامش:

ديوان ” إضاءات على ظليل العتمة ” عبد القادر برطويس ، مطبعة الودغيريون ـ الرشيدية، الطبعة الأولى ، أبريل 2017م. 40 صفحة من الحجم المتوسط.

حديث العالمAuthor posts

صحيفة الكترونية شاملة

التعليقات معطلة.

تم التصميم والتطوير بواسطة اتش فى اى بى اس